للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعارضهم وكثرة الاختلاط والتنافس على الوظائف، كانوا أقوى عارضة وأنفذ حيلة وأوسع أفقا، وقد عرفنا شيئا من أوصاف الفكون لفئة من العلماء في قسنطينة وهو في الواقع يطلقها على جميع أهل الحواضر، ونجد في رحلة ابن حمادوش حوادث من هذا النوع أيضا حيث تهكم بطلاب البادية واعتبر طلاب الحاضرة أشد ذكاء وأغزر علما منهم (١). وكان أبو راس قد عاد من الريف إلى معسكر لأن التعليم فيها كان أقوى منه في الريف الذي لم يجد فيه ضالته، بل كاد يقتل فيه موهبته، وقد لاحظ الورتلاني أنه لقي في جامع بسكرة من يقرأ اللوحة بلا أدب ولا استقامة (٢). وعرفنا أن العياشي قد وصف فقهاء تقرت بأوصاف غير حميدة. وتضاءلت الحاجة إلى العلم حتى أصبح كل من يقرأ بعض القرآن ويفهم بعض المسائل الفقهية يعتبر من أهل العلم، فهذا الورتلاني كان يكفيه من قرية سيدي بهلول أنه وجد فيها من يقرأ القرآن. ويفهم العلم (٣)، ولا شك أن مستوى التعليم في الحاضرة لم يكن في درجة عالية أيضا، ولكن الأمور تقاس بنسبتها إلى غيرها.

ومن المدرسين والأساتذة من كان كثير التأليف ومنهم من كان قليل أو لم يؤلف شيئا على الإطلاق. فقد كان بعض المدرسين صاحب ذاكرة وقلم ولسان في نفس الوقت. وهؤلاء قد تركوا بعض التآليف في مختلف العلوم التي درسوها لطلابهم في شكل شروح أو ملخصات أو في شكل كتب ودواوين مستقلة. فأحمد المقري مثلا كان كثير التأليف وكذلك أبو راس ولكن معظم المدرسين لم يتركوا إلا ملخصات لدروسهم وبعض الحواشي والتقاييد، ولعل بعضهم لم يترك شيئا جديرا بالاعتبار في هذا الميدان، ومع ذلك كانت شهرته في التدريس تغطي الآفاق، فسعيد المقري وسعيد قدورة وعمر الوزان وأحمد العباسي وغيرهم قد جاءت شهرتهم من الدرس لا من التأليف، وظل تلاميذهم يذكرونهم جيلا بعد جيل، بل كان لبعض الناس


(١) ابن حمادوش (الرحلة) مخطوطة.
(٢) الورتلاني (الرحلة)، ١١٧.
(٣) نفس المصدر، ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>