من ثقافته، مع ذلك، فالنقول كثيرة، واستخدام أسلوب الرواية متوفر بكثرة، والاستشهاد بالشعر. وإذا كان في الجزء الأول قد استخدم الهوامش فإنه استغنى عنها تماما في الجزء الثاني. غير أنه في هذا الجزء استعمل فهارس الرجال والنساء وأسماء المدن. واشتمل الكتاب على الأحداث السياسية والتطورات الاجتماعية والاقتصادية، ولكنه اشتمل أيضا على التراث الحضاري للشعب من نظم وأدب ولغة وعقائد (١).
ورغم أن تاريخ الميلي لم يصل إلى الزمن (الحاضر)، فإنه وضع المؤشرات له، وذلك بخطابه للشعب وحكمه على الاستعمار الروماني وغيره من الاستعمارات (الأجنبية)، ووضع خطة للتنويه بالآثار الحضارية للجزائريين عبر العصور، وحسبه، كما قال، تنبيه الغافلين ودعوة الشباب والعاملين إلى مواصلة الجهد، رغم أنه لم يكن ينتظر النتائج السريعة.
٧ - والحديث عن الميلي يؤدي إلى الحديث عن أحمد توفيق المدني وكتابه المعروف كتاب الجزائر. فقد كانت بينهما علاقات ثقافية، ولعلهما التقيا في تونس قبل أن يتعارفا في الجزائر. والمدني قد ساعد الميلي في الترجمة من بعض النصوص الفرنسية. وقد رأيا أن المدني قد نوه بصدور الجزء الأول من تاريخ الميلي ودعا إلى الاحتفاء بصاحبه. كما أن الميلي قد شكر المدني على مساعدته وسماه (صديقي). ولعل عدم إقدام الميلي على معالجة (الحاضر) هو الذي جعل المدني يتولى ذلك ويركز على العهد الفرنسي أكثر من العهود السابقة له، وأن يجعل (كتاب الجزائر) نوعا من كتاب الجيب لتاريخ الجزائر في العهد الفرنسي إلى ١٩٣٠. وكلا الرجلين كان مهتما بالتاريخ، ولا سيما تاريخ المغرب العربي القديم، فهما يلتقيان في عدة أصعدة.
(١) ابن أبي شنب، مرجع سابق، ٤٨٢ - ٤٨٦. انظر ديبارمي (افريقية الفرنسية). وبعد الاستقلال أكمل ابنه، محمد إبراهيمي الميلي، مشروع والده فأصدر الجزء الثالث. ولكن الدارس المتأنى يرى الفرق بين العملين رغم أن الخطة ربما أصلية.