(وهذا من الديس أيضا)، وكذلك زاوية طولقة التي اشتهرت بمؤسسها علي بن عمر. وبعيدا من ذلك زاويتان أخريان شهيرتان هما زاوية نفطة العزوزية (تونس) وزاوية ابن أبي داود بتاسلنت قرب آقبو. إن هذه الزوايا كانت بعيدة في الظاهر عن السياسة ولا تشارك في الثورات ضد الفرنسيين إلا بصفة غير مباشرة، خلال النصف الثاني من القرن الماضي. ولكنها كانت نشيطة في نشر العلم وحفظ القرآن الكريم وصيانة التراث الإسلامي من الضياع. ولم يكن للتلاميذ حدود سياسية، فهم ينتلقون من زاوية إلى أخرى ومن شيخ إلى آخر حسب رغباتهم وإمكاناتهم، ولكنهم كانوا في مختلف الأحوال يجدون المساعدات المادية والمعنوية من المحسنين ومن أهل الزوايا. وهكذا كان حال الشيخ أبو القاسم الحفناوي.
ولد حوالي ١٨٥٠ (١٨٥٢؟) في الديس، ويرجع نسبه إلى سيدي إبراهيم الغول، أحد صلحاء المنطقة وصاحب زاوية بالديس. وكان أبوه محمد بن بلقاسم بن الصغير من العلماء في وقته أيضا. وكان جده بلقاسم قد أخذ العلم في أولاد جلال في زاوية سيدي عبد الباقي، وكذلك في زاوية ابن أبي داود. كما أن والد المؤلف أخذ العلم في الزاوية الأخيرة أيضا، وكذلك زاوية طولقة ثم زاوية شلاطة، ولازم شيخها ابن علي الشريف. والعادة ألا يغادر التلميذ المكان إلا بعد الحصول على الإجازة من شيخه. وقد تنقل محمد بن بلقاسم بعد ذلك إلى زاوية طولقة معلما. فيها هذه المرة، وبقي بها ست سنوات، ومن تلاميذه الحفناوي بن علي بن عمر الذي أصبح شيخا للزاوية. وكانت عندئذ تضم من ٤٠ إلى ٥٠ تلميذا من مختلف النواحي، ومواد الدراسة فيها هي العلوم الشرعية واللغوية، وكذلك المنطق والفلك والحساب. ومن معاصريه الشريف بن الأحرش ومحمد بن بلقاسم الهاملي. ومن تلاميذه محمد بن عبد الرحمن الديسي، عالم المنطق بدون منازع في آخر القرن الماضي. وبعد هذه الجولات العلمية استقر الشيخ ابن بلقاسم (والد صاحبنا) في الديس، واشتغل بتربية أولاده ونسخ الكتب والمطالعة، وكسب رزقه. ولا ندري لماذا لم يشارك مع مؤسس زاوية الهامل في التعليم وقد كان