للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى قضاء حاجتهم). وكان من قضاء الله، حسب قوله، أن قبض على سلطان دار الخلافة (عبد الحميد) وزج به في السجن.

وكان حكم ابن عليوة على الشباب التركي (تركيا الفتاة) حكماء قاسيا، ومن خلاله حكم على حركة النهضة والاصلاح، فقال: (تمادى الشباب الناهض (١) على عمله دون شعور ولا مبالاة إلى أن بلغوا بغيتهم آخرا. واتضح الصبح لذي عينين من عنوان: النهوض (٢) والوطنية والاصلاح). وكل ذلك حدث مع حركة انقلاب ١٩٠٨ - ١٩٠٩. ولكن مصطفى كمال زاد الطين بلة فألغى الخلافة وتبنى العلمانية التي يسميها ابن عليوة الاباحية (٣). وأعلن الجمهورية وألغى اللغة العربية: (ولا أزيدك بسطة، وفي حركة الكماليين ما يغنينا من تتبع النوازل (الأحداث) فقرة فقرة). وهكذا لم يطب له المقام الذي كان يشده، وقفل راجعا إلى بلاده، وحمد الله على ما (كنت استحسنه بالطبع من عوائد (عادات) أمتي وجمودهم على عقيدة آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بأذيال الصالحين). إن هذا رأى واضح في أن ابن عليوة كان بطبعه يحبذ جمود الجزائريين على عقائدهم وتعلقهم بأهل الصلاح من المتصوفة والمرابطين ونحوهم. ويبقى السؤال: (إلى أي مدى أثرت أحداث دار الخلافة على ميول ابن عليوة حين فضل التشبث (بأذيال الصالحين) والجمود على الاصلاح والمرابطية على الوطنية؟


(١) لا شك أنه يستعمل كلمة (الناهض) بالمعنى السلبي وبشيء من الامتعاض والاستهزاء.
(٢) الكلمة التي استعملتها جماعة تركيا الفتاة عندئذ هي (الترقي) وليس النهوض.
(٣) يقول إن ما منعه من الإقامة التي كان ينويها عدة أسباب منها: انقلاب المملكة (السلطنة) إلى الجمهورية، ومن الجمهورية إلى الإباحية. ونعتقد أنه يعني بكلمة (الإباحية) العلمانية التي شاعت عندئذ، كإطلاق الحريات والسفور وفصل الدين عن الدولة. وعن علاقة جماعة تركيا الفتاة بالحركة الصهيونية العالمية انظر البحث الذي ترجمناه عنها في كتابنا (في الجدل الثقافي)، دار المعارف، سوسة (تونس)، ١٩٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>