لهم في نهاية القرن الماضي بتطوير تدريسهم ليشمل تعليم الشباب والتلاميذ المترشحين للمدارس الثلاث وليشمل أيضا موضوعات غير دينية كالنحو والأدب، والبلاغة. وإلى جانب هذه الدروس (الرسمية) رخصت الإدارة لبعض المدرسين (الأحرار) بإعطاء دروس في مساجد قراهم حول نفس الموضوعات. وهكذا كانت اللغة العربية الفصحى تنافس الدارجة العربية والبربرية والفرنكوية. وكل ذلك كان قبل ظهور الحركة الإصلاحية وانطلاق مدارسها ودروسها في التعليم والوعظ بالعربية الفصحى المتطورة.
وإلى جانب العربية والتركية كان بالجزائر غداة الاحتلال لهجات كثيرة عربية وبربرية، بالإضافة إلى لهجة ساحلية (لغة إفرنكية) يتحدث بها أصحاب السفن وعمال الموانئ والتجار. ان اتساع رقعة الجزائر جعل استعمال وشيوع لهجة واحدة غالبة أمرا مستحيلا. كما أن نظام الحكم نفسه ساعد على عزلة الناس عن بعضهم. فهو حكم أقلية غريبة عن أهل البلاد. فظلت أقلية متقوقعة على نفسها. ونتيجة لذلك كانت العاصمة عاصمة فقط من حيث المركزية السياسية والسلطة. أما ثقافيا وحتى تجاريا فلم تكن هي عاصمة البلاد. كان كل أقليم له عاصمته، وكانت السلطات الإدارية (المخزنية) قد جعلت البلاد تشكل وحدات (فدراليات) مستقلة ولكن دون حدود تجارية ولا تعليمية. وهذا الوضع كله قد ساعد على بقاء اللهجات مجهولة عند بعضها البعض، سواء أكانت لهجات عربية أو غيرها. أما التركية فلم تكن معروفة خارج الإدارة المركزية بالعاصمة والثكنات. وقد كانت وسيلة التواصل بين الجزائريين هي اللغة العربية، مهما تباعدوا في المكان، وهي لغة الكتابة عندهم، ولغة الخطاب الرسمي، واللغة الأدبية والدينية. وبها كانوا يتعلمون وبها يحررون السجلات القضائية والمداولات العرفية ويعقدون الاتفاقات الدولية والصفقات التجارية (١)، بالإضافة إلى تأليف الكتب وقرض الشعر.
وكان على الفرنسيين منذ البداية أن يدرسوا اللغة العربية ولهجاتها
(١) هناك اتفاقات دولية كانت أيضا بالتركية (العثمانية).