ونشر عنها دراسات وارتبط ببعض علمائها. وقد تعرضنا إلى ذلك في مكان آخر. وكان ماسكري قد ظل على علاقة علمية، وربما سياسية، مع الشيخ محمد بن يوسف أطفيش، وهو الذي استكتبه حول تاريخ ميزاب. وكان ماسكري هو الذي أوصى باحتلال ميزاب سنة ١٨٨٢ بعد أن كانت محمية منذ ١٨٥٣. وفي تنويهه به ذكر أوغسطين بيرنار أن ماسكري يقف على درجة واحدة مع الضباط والإداريين الفرنسيين المخلصين، لأنه فهم أن مهمة فرنسا القائمة على السيف والمحراث قد أتت أكلها وحانت مهمة فرنسا القائمة على الكلمة والقلم، حسب تصور بيرنار (١).
ويأتي موتيلانسكي على أثر ماسكري في الاهتمام باللهجات البربرية الإقليمية. وخلافا لماسكري المولود في فرنسا، ولد موتيلانسكي في مدينة معسكر وتربى بين الجزائريين، ودرس في ثانوية الجزائر. واشتغل في الترجمة العسكرية، وأرسلته حكومته في مهمات إلى ميزاب أثناء احتلالها فدرس لهجتها أيضا ومذهبها وعاداتها ومخطوطاتها. ثم أخذ يتوسع في الاهتمام باللهجات فتاقت نفسه إلى التعرف على لهجات الهقار وغدامس وما وراء ذلك. وبقي خمس سنوات في ميزاب فتمكن من (اكتشاف) الصحراء عن طريق العلماء وأدلاء القوافل وربط علاقات معهم. وكان نشره للمخطوطات الإباضية قد أدخله إلى عالم الاستشراق. فتولى كرسي اللغة العربية وإدارة مدرسة قسنطينة، فكان بذلك يشرف على الدراسات العربية والإسلامية في عاصمة الشرق الجزائري، ولكنه ظل مهتما أيضا بالدراسات البربرية. فكتب بحثاعن لهجات جبل نفوسة (ليبيا) سنة ١٨٨٥. وفي ١٩٠٣ أرسلته الحكومة إلى وادي سوف لدراسة اللهجة الغدامسية عن طريق السوافة الذين كانوا أدلاء القوافل إلى غدامس، وعن طريق تجار غدامس في سوف. وقدم عن ذلك دراسة تاريخية وجغرافية ولغوية ونشرها سنة ١٩٠٤، وفي ١٩٠٦ توجه إلى الجنوب الأقصى لاستكشاف المنطقة ودراسة لهجتها فعاد من ذلك
(١) أوغست بيرنار (إيميل ماسكري) في (المجلة الإفريقية)، ١٨٩٤، ص ٣٥٠ - ٣٦٩، ترجمة كاملة لحياته وأعماله. عن ماسكري انظر أيضا فصل الاستشراق.