الجامع الأخير. وبذلك يكون قد وصل إلى قمة السلم الوظيفي والعلمي. وهو ما يزال في مقتبل العمر. وقد عرفنا أن الباشا هو الذي كان يعين في الوظائف المذكورة.
وأهم ما كان يستدعي التنافس الشديد بين العلماء على وظائف الجامع الكبير هو الأوقاف الطائلة التي كان يتمتع بها. فقد عرفنا أنها كانت من أغنى مصادر الوقف في الجزائر. ولم يكن قدورة بالرجل السهل. فقد كان ذكيا غاية الذكاء طموحا أقصى الطموح عارفا بأحوال العصر وأهله. وتذكر المصادر أنه كان غنيا أيضا حتى أنه كان يتاجر بأمواله مع بعض كبار التجار، كما كانت له أرض حراثة. والمعروف أن القرن الحادي عشر (١٧ م) كان العصر الذهبي للتجارة ووفرة غنائم البحر ورواج السلع والدراهم في الجزائر. ولهل سعيد قدورة كان يستعمل ما له في هذه الأمور التي كانت تدر عليه أموالا طائلة. وقد كثرت أشغاله وارتفعت قيمته حتى أصبح يقدم عنه أربعة من النواب. (ومنهم الشاعر ابن رأس العين) لينوبوا عنه في الخطابة ويدفع إليهم من ماله الخاص. وأخيرا جرؤ على تقديم ابنه محمد بدله في الفتوى والتدريس والخطابة بالجامع الكبير، وهو عمل قل من يجرؤ عليه، لأن الوظيفة شخصية وليست وراثية أو حرة. ولكن قدورة الذي خبر الناس في عصره وعرف كيف يوقف تدخلهم تمكن من كل ذلك دون معارض (١).
ورغم أن المعجبين به، كابن المفتي، يقولون إن سعيد قدورة كان
(١) وقد ذكر ابن المفتي أنه كان لقدورة أربعة نواب في الخطبة، وهم محمد بن قرواش، وسيدي مزيان، وابن رأس العين. أما الرابع فلم يذكر اسمه, وكان قدورة يدفع إلى هؤلاء أجورهم من ماله الخاص وليس من أوقاف الجامع لأنه كان غنيا ولأن النيابة كانت شخصية وليست رسمية، ويمكن القول إن هؤلاء كانوا هم حزب قدورة من علماء الوقت، ولما اشتهر أمره ولم يعد أحد يقدر على عزله عين ابنه محمد نائبا عنه. أما ابن رأس العين فقد كان شاعرا ماهرا، وسنعرض لشعره في الجزء الثاني انظر ديفوكس (المجلة الإفريقية)، ١٨٦٦، ٢٨٨. انظر (مختارات مجهولة من الشعر العربي).