للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدفع من جيبه الخاص إلى من ينيبهم عنه فإن أوقاف الجامع الكبير في عهده لم تكن محصنة كل التحصين. فابنه محمد، وهو من أكبر العلماء في عصره، كان يتقاضى حقه في الأوقاف أثناء حياة والده لأنه كان ينوب عنه رسميا بخلاف الأربعة الآخرين. وقد استطاع قدورة أن يتفق على الجامع وأن يوفر أموالا اشترى بها كتبا لمكتبة الجامع، كما شيد زاوية قرب الجامع أصبحت فيما بعد تعرف باسم زاوية الجامع الكبير. وكذلك شيد مدرسة لفقراء الطلبة والغرباء منهم، كل ذلك من فائض أوقاف الجامع الكبير. ورغم أن الرأي العام هو الذي كان يتحكم في مصير وكيل الوقف عموما فالظاهر أن الإشاعات كانت تحوم حول تصرفات قدورة في الأوقاف. وبعد ثماني سنوات من توليه طالبه الناس بتقديم الحساب على أموال الجامع التي بلغ فائضها وحده عند توليته اثني عشر ألف ريال بوجو. وقد أبى في البداية أن يوضع في موضع الاتهام، ولكنه رضي عند إصرارهم على ذلك، فأخرج لهم الوثائق التي تثبت عدم تبذيره والتي تحصي كل ما اشتراه سواء للمكتبة أو لإصلاح الجامع. وكلها كانت وثائق بأقلام وأختام العدول ويقول المعجبون به ان حساده قد خاب ظنهم وبطلت خططهم. ولعل تسرب الكتب الذي أشرنا إليه في مكتبة الجامع الكبير قد بدأ أثناء حياته هو (١).

وبلغت من قيمة سعيد قدورة عند الباشوات أنهم كانوا يقفون له إجلالا ويقبلون يده. ولا ريب أنه عرف كيف يحافظ على مكانته العلمية بينهم وكيف يحتفظ برضاهم عنه أيضا. فخلال الفترة الطويلة التي تولاها تداول على الجزائر عدد من الباشوات وحدثت اضطرابات وثورات (٢) وكان هناك الخصوم والأصدقاء. ومع ذلك فقد حافظ قدورة على توازن السفينة في وسط بحر هائج. ولقد بلغ من حرمته، على ما تذكر الروايات، أنهم كانوا يعتقدون فيه النفع والضر والبركات والكرامات. ومعنى هذا أنه لم يكن في نظرهم


(١) انظر ذلك في قسم المكتبات من الفصل الثالث.
(٢) من ذلك ثورة ابن الصخري وثورة الكراغلة بمدينة الجزائر وتلمسان، انظر الفصل الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>