للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موظفا عاديا ولكنه كان عند العامة على الأقل في منزلة المتصوف المرابط. والعامة تتبع الرأي العام بدون سؤال ولا مناقشة. وكان الرأي العام منعقدا على أن قدورة من العلماء الصالحين، وبلغ من تقدير الباشوات وأهل الديوان له أنهم كانوا يقدمونه على المفتي الحنفي (شيخ الإسلام) الذي كان يمثل المذهب الحاكم. وكانت لقدورة الدالة على زميله الحنفي أيضا في المجلس العلمي والقضائي الذي كان ينعقد برئاسة (قدورة) في الجامع الكبير. وكان يحضر هذا المجلس المفتيان والقاضيان (الحنفي والمالكي) وبعض القضاة وممثل الباشا والعلماء. ولعل انعقاد هذا المجلس في الجامع الكبير بالذات الذي ظل تقليدا طيلة العهد العثماني يعود إلى شخصية قدورة ومكانته ثم مكانة أسرته التي مهد لها هو الطريق.

ومع ذلك، فإن شخصية قدورة لم تظل بدون تحد. وهناك حادثتان بهذا الصدد الأولى تحدى المسؤولين له والثانية تحدي بعض زملائه العلماء المنافسين له. فقد وجدنا في الوثائق أن قدورة كان قد طرد (بأمر عسكر الجزائر) وأمر بالتوجه إلى إسطانبول (للتخلص منه بإشارة من حساده) وقد جاء في هذه الوثائق أن صديقه الشيخ أحمد المانجلاتي قد نظم قصيدة وبعث بها إلى إسلام بول (إسطانبول) معرفا بها مفتي حضرتها، أسعد أفندي، بمرتبة قدورة حين توجهه إليها بأمر حكام الجزائر (١). ونحن لا نعرف من غير هذا النص أن سعيد قدورة كان قد اتهم بأي شيء حتى استحق هذا العقاب والإبعاد. كما أننا لا نعرف كم بقي في إسطانبول ولا أين توجه بعدها أيضا. وكل ما نعرفه هو أنه قد عاد إلى عمله بعد (أهوال وسوء حال) مرت بها الجزائر (٢) ومهما كان الأمر فقد انتصر قدورة على خصومه أو (حساده) كما


(١) (ديوان ابن علي)، مخطوط، وهو يحتوي على قصيدة المانجلاتي، وهي قصيدة طويلة هامة. (انظر مختارات مجهولة).
(٢) في رحلة العياشي إشارة أيضا إلى (الأهوال) التي مرت بها الجزائر عند حديثه عن عيسى الثعالبي وعلي بن عبد الواحد الأنصاري. وكان ذلك هو عهد يوسف باشا الذي تولى عدة مرات، وهو الذي وقعت ثورة ابن الصخري فيه (١٠٤٧) كما سبق، =

<<  <  ج: ص:  >  >>