فقربته من أعيان تامزيرت وهم آل عمر (آيت عمر)، وفيهم قياد؛ وهناك أدخله عمه المدرسة الفرنسية الجديدة، وهي الأولى من نوعها في زواوة، سنة ١٨٧٥. وكان الترشح إليها نادرا. ويمكننا أن نفهم أمرين على الأقل من هذه المرحلة المبكرة من حياة الصبي عمر بن سعيد. الأول أنه فتح عينيه على جرح زواوة الذي ظل مفتوحا منذ ثورة ١٨٧١، فكانت المصادرات والقمع والنفي وأحكام الإعدام. والثاني أن عمه قد يكون أراد التخلص منه بإدخاله المدرسة الفرنسية الوحيدة والجديدة في القرية. فكان القدر يخطط للصبي عمر طريقا آخر، ربما لم يخطر ببال هذا العم الذي لا نعرف الآن مستوى تعلمه ولا تفكيره.
ومع ذلك كان طريقا مدروسا ومعروفا. فالذي يتخرج من مدرسة فرنسية ابتدائية قلما يجد له عملا إذا كان من الأهالي. ولكن حظا معينا كان ينتظر أبناء زواوة إذا أكملوا تعليمهم الابتدائي، وهو مواصلة التعلم في الفرع الأهلي من مدرسة ترشيح المعلمين. وهكذا كان الأمر بالنسبة لعمر بن سعيد. فقد بدأ مسيرته معلما ممرنا بسيطا في قرية تامزيرت، ثم أصبح معلما أهليا مساعدا (وهو منصب خاص بالأهالي، ولا يترقى الأهلي إلى رتبة معلم مرسم مهما طالت به الوظيفة) في مدرسة ترشيح المعلمين ببوزريعة، سنة ١٨٩٦. ولم يعترف له الفرنسيون بصفة المعلم في مدرسة ابتدائية إلا قبل وفاته بعشر سنوات، أي سنة ١٩٢٢. ومع ذلك فإنه قضى كل حياته تقريبا في ميدان التعليم الابتدائي: فهو معيد في البربرية سنة ١٨٩٠ بمدرسة النورمال - ترشيح المعلمين -، ثم معيد أيضا في مدرسة الآداب العليا، منذ ١٩٠١، ربما على إثر شغور مكان الهاشمي بن الونيس الذي سبق ذكره والذي عين هناك سنة ١٨٨٠. أو وفاة بلقاسم بن سديرة.
صادف وجود بوليفة معيدا في مدرسة الآداب انطلاقة الاستشراق الفرنسي والاهتمام باللهجات المحلية والإسلام والمجتمعات الإسلامية. كما صادف الاهتمام المتزايد لفرنسا بأحوال المغرب الأقصى والتمهيد لاحتلاله. وقد كثرت البعثات الفرنسية إلى المغرب منذ آخر القرن الماضي، وكان فيها