للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت مقالات ابن باديس تمتاز بالعمق والقصر والدلالة. أما العمق فذلك يرجع إلى بعد غوره ووفرة أفكاره وشدة ملاحظته والتجائه إلى التلميح والترميز أحيانا. وأما القصر فلأن ابن باديس كان كثير الأشغال والترحال والدروس، وليس متخصصا للصحافة أو متفرغا للكتابة. ولذلك كان يقتطع من وقته بعض الساعة فيكتب فيها مقالاته الأسبوعية لهذه الصحيفة أو تلك. وقد بدأ الكتابة في جريدة النجاح لمامي إسماعيل، ثم تفرغ قلمه للمنتقد والشهاب، وهما جريدتاه، ثم البصائر جريدة جمعية العلماء. وأما الدلالة فهي ترجع إلى أن ابن باديس كان يرمي إلى معان بعيدة يوجه إليها خطابه ومخاطبه ويترك له الحرية في القرار مع لمسة لضميره ونفحة في قلبه. إن المقالة عند ابن باديس فن بذاته يترجم عن روحه الثورية وتفكيره العميق وغيرته الوطنية. ومن حسن الحظ أن مقالاته قد جمعت وصنفت في عدة مجلدات (١). وهي تشهد على ما نقول.

ولدينا شهادتان على تمكن محمد العاصمي من فن المقالة. الأولى من أحمد توفيق المدني الذي أورد صورته في تقويم المنصور ووصفه بأنه كاتب بليغ وبحاثة وأنه قام بجولات في البلاد (الجزائر) وأورد له مقالة هامة في التقويم عنوانها (المجتمع الجزائري وعماد نهضته الراهنة). وقد امتدح العاصمي فيها تمسك الفرد الجزائري بالملية القومية (الوطنية؟) ومظارها أمام موجة التحضر ... ونفى أن يكون الدجل والشعوذة من العلم في شيء. واعتبر الدين الإسلامي من أقوى دعائم التمسك بالملية المذكورة. وحكم بأن الإنسان الجزائري يمقت الطفرة والجمود، وأنه حذر، ولكنه حلو المعشر، وأنه يحب الحرية حتى أنه يعبدها عبادة، كما أنه متعلق باللغة العربية أشد التعلق (٢). وقد رتبها المدني تحت عنوان أدب المقالة الاجتماعية.


(١) عمار طالبي (آثار الإمام ابن باديس)، وقد طبعت مرتين. وكذلك وزارة الشؤون الدينية التي أصدرت من آثار ابن باديس عدة مجلدات حتى الآن.
(٢) تقويم المنصور، السنة الخامسة، ١٣٤٨، ص ٢٧٦ - ٢٨٢. وقد وصفه أحمد توفيق المدني في (كتاب الجزائر)، ط. ١٩٣١، ص ٩٣، بالمجاهد بقلمه وبدروسه في =

<<  <  ج: ص:  >  >>