للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الشهادة الثانية عن جودة أدب المقالة عند محمد العاصمي، فهي لكاتب آخر كان في المقام الأول من الاحترام والوطنية، وهو محمد العابد الجلالي، صاحب كتاب تقويم الأخلاق. وقد نشر للعاصمي مقالة في (الأخلاق والآداب الإسلامية) وهي في أخلاق العرب في الجاهلية والإسلام مع جولة في التراث والمجتم المعاصر، وأمثلة ومقارنات بالأخلاق الغربية. ورغم أنه لا وجود لاسم الجزائر فيها فإن كل المؤشرات تدل على أن الكاتب (العاصمي) كان يعني قومه. ومن جوانب هذه المقالة الحديث عن الفلسفة والأخلاق عند القدماء والنفس وأنواعها ... الغضبية والبهيمية، ثم عند العرب والمسلمين، وعند الغربيين، وجاء فيها أيضا، حديث عن الدين والعقل وتارخيهما. واعتبر العاصمي أن المدنية والدين صنوان، وأبرز دور المساواة العامة في الشريعة، كما أبرز حقوق المرأة وحرية الفكر، والديموقراطية الحقة في نظره، وكذلك حرية الاعتقاد بالنسبة للآخرين، وضرورة الانتهاء من تحكيم العصبيات والجنسيات القبلية، والابتعاد عن الجمود الديني، وبين الحكمة من الزكاة والصوم والصلاة والحج. وأخيرا دعا إلى إلغاء الواسطة بين الله والإنسان أو الخالق والمخلوق.

إن مقالة العاصمي هذه تعالج موضوعا كأنه هو موضوع الساعة. ولا شك أنه كان موضوعا يشغل أذهان المثقفين المتنورين بين الحربين أيضا. ومن المفيد أن الجلالي قد أورد أيضا صورة العاصمي مع ترجمة قصيرة له، وذكر معها أنه رجل لا يحب الظهور ولا الشهرة ولا يهمه (إلا الحب الخالص لأبناء وطنه مع ملازمة التستر). وامتدحه بأنه قد التزم بتعليم الناشئة والكتابة في الصحف الوطنية، وأنه بمنزلة عالية من الخبرة والاطلاع وسداد الرأي. واعتبر مقالته غزيرة المادة العلمية وطيعة الأسلوب (١). ويبدو أن هذه


= سبيل الأمة والعروبة والإسلام. للمزيد عن العاصمي انظر فصل السلك الديني والقضائي.
(١) محمد العابد الجلالي (تقويم الأخلاق)، ١٩٢٧، ص ٢٠ - ٤٥، والشطر الثاني من المقالة، ص ١٠٥ - ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>