للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخصائص كانت غير غائبة عن إدارة الشؤون الأهلية الفرنسية، فسعت إلى ترويض العاصمي وإبعاده عن هذا التيار الذي امتدحه عليه المدني والجلالي. وقد تعرضنا إلى ذلك في غير هذا (١).

وكان للمقالة الأدبية أيضا رجالها. ومن هؤلاء رمضان حمود الذي عاش عمرا قصيرا. وكان مثالا للشباب الطموح، والنهاية المأساة التي يلذ للرومانتكيين البحث عنها في المجاهل والأدغال والمغامرات. نشر رمضان حمود مجموعة من المقالات النقدية حول الأدب والشعر، وحول الجمود والتقليد والتراث والتجديد. وكان صوتا ثائرا على التقاليد البالية وعلى من سماهم (عبيد التقليد وأعداء الاختراع). وقد نشر مقالاته في جريدة (الشهاب) الإصلاحية، ثم جمعها ونشرها في كتاب بعنوان (بذور الحياة). وكان حمود قد أظهر نقده بالخصوص في المجال الشعري، فلم يعجبه شعر شرقي ولا شعر الذين يقلدونه إعجابا به، بل لم يعجبه الشعر التقليدي، ودعا إلى الصدق الفني والتجديد في هيكل القصيدة وأشكالها. ولكنه ظل في دائرة الوطنية والقومية. وبقدر ما أعجب ببعض الشعراء الأجانب فإنه لم ينبهر بهم كما فعل بعض شعراء المشرق (٢).

وسليمان بن يحيى بوجناح المعروف بالفرقد، كان مثل رمضان حمود في ثورته وشبابه. وكانا متعاصرين. ويقول عنه محمد العابد الجلالي إنه كان دون العشرين. ومع ذلك فإن مقالاته تدل على أنه قد عاش الدهر. وشهد على أن مقالاته كانت تمتاز بالغيرة الدينية وحصافة العقل والذكاء والوطنية وعزة النفس، وقد فصله الجلالي عن (الشباب الآخر) الذي انفصل عن (شرقيته) وتعلم لغة قوم آخرين فانقطعت بذلك أسباب الاتصال بينه وبين


(١) نفهم من أوصاف المدني والجلالي لمحمد العاصمي أنه كان من المدرسين. ولكننا لا نعرف أين كان ذلك.
(٢) محمد ناصر (رمضان حمود وقضايا الشعر العربي الحديث)، (الثقافة) ٣٢، إبريل - مايو، ١٩٧٦، ص ٦٣ - ٧٨. توفي رمضان حمود عن ٢٣ سنة. ولعل حمود كان متأثرا أيضا بمدرسة المازني والعقاد، كما عبرت عنها (جماعة الديوان).

<<  <  ج: ص:  >  >>