وكان الإبراهيمي قوى الحفظ وربما حفظ بعض أشعار الخنقي في الموضوع نفسه قبل سفره إلى المشرق. وقد سمعت الإبراهيمي يشيد بشعر عاشور وقوة عارضته لولا أنه استعمل قلمه كما قال، في موضوع لا طائل تحته.
لم يكتب عاشور الشعر فقط، وإنما كتب النثر أيضا رغم أن نثره قليل. وهو الذي يهمنا هنا. ومنذ أحمد بن عمار في آخر العهد العثماني لا نعرف أن أديبا كتب بأسلوب قوي كأسلوبه، سوى عاشور الخنقي. ورغم سلسلة الأسماء الدينية والأدبية التي عرفتها الجزائر بين ١٨٣٠ - ١٨٨٠، فإننا لا نعرف اسما كتب صاحبه بنفس القوة البلاغية التي تميز بها عاشور. وسواء في ذلك الذين درسوا في الجزائر أو خارجها. وقد كنا عرفنا أن عاشور ولد في خنقة سيدي ناجي، وتربى في بيئة عربية، ولكنه كان يتيما وفقيرا معدما. وظهرت موهبته في الحفظ مبكرة فحفظ القرآن في خمسة أعوام ونصف. وكان شيوخه في ذلك ثلاثة من الأشراف حسب قوله. وهو كما قال أيضا، من قبيلة البوازيد الهلالية الشريفة. وكانت الخنقة نفسها مدرسة نافقة في العلم قبل الاحتلال، ولكن العلم صوح فيها، حسب تعبير الخنقي، أثناء حداثته، فنصحه أحد شيوخه بطلبه في زاوية نفطة التي أنشأها مصطفى بن عزيز. وقد جمعت بين عاشور وهذه الزاوية الطريقة الرحمانية الخلوتية أيضا.
لا نريد أن نكرر ما كتبناه عن عاشور الخنقي في فصل آخر، وإنما نقصر القول الآن على أسلوبه الثري. لقد تعلم على شيوخ زاوية نفطة الجزائريين والتونسيين. وتعهد لشيخه، مصطفى بن عزوز، بأن لا يقبل وظيفا رسميا. ولما رجع إلى الخنقة بعد وفاة شيخه بعام واحد (١٢٨٦)(١) لم يجد فيها ما يتعلق به رغم أنه كان (يتعهد معاهد العلوم الرسمية ويزور مزارات العلوم الفقهية) فتأسف على اندراس العلوم في الخنقة. وأدركته الفاقة
(١) توفي الشيخ مصطفى بن عزوز سنة ١٢٨٥ (١٨٦٥)، فيكون حلول الشيخ عاشور بالخنقة حوالي ١٨٦٦ وبقسنطينة حوالي ١٨٦٧.