للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإذاية أيضا فأنشد قول الشاعر:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العوائر

ولم تحدثه نفسه فيما يبدو، بالرجوع إلى تونس أو الهجرة إلى المشرق، كما فعل غيره، وإنما شد رحاله إلى قسنطينة حاضرة الأقليم الشرقي. منشدا مع الشاعر:

إذا كان أصلي من تراب فكلها ... بلادي وكل العالمين أقارب

وعندما حل عاشور بقسنطينة كانت فيها جماعة من الأعيان وعلى رأسهم المكي بن باديس. وكان هؤلاء الأعيان متوظفين عند الدولة الفرنسية في مختلف الوظائف الدينية والقضائية والتعليمية والإدارية. وكان الشيخ محمد الشاذلي. هو مدير المدرسة الكتانية، وهو بوزيدي الأصل، مثل عاشور. ولكننا لا ندري العلاقة الشخصية بينهما. وفي ١٨٦٧ فتح الفرنسيون فرعا للمدرسة السلطانية في قسنطينة، وكانت مزدوجة التعليم وتحت إدارة أوبلان، وكان شيربونو على رأس الحلقة العربية والدراسة الاستشراقية وهو أحد عيون فرنسا على فئة المثقفين بالعربية. وما دام عاشور قد مهد بعدم التوظف فإنه ظل يلقي دروسا حرة في الزوايا والمساجد المعزولة. وكان فيما يبدو متمردا ومندفعا ودخيلا على مجتمع المدينة. وذلك لا يروق الفرنسيين ولا فئة الحضر. ومن ثمة نفهم شكواه من أنهم (حسدوه) على علمه وأغروا به السلطات الفرنسية وربما هي التي حرضت عليه وتوجس منه رجالها. ورغم إقبال الناس عليه وتزاحمهم على دروسه في البداية، كما قال، فإنه سرعان ما واجه معارضة شديدة من أشباه العلماء الذين سعوا به إلى الفرنسيين حتى أخرجوه من جميع المساجد، وهددوه حتى بالقتل!. فتوقف عن الدروس وبقي كاسف البال فقير الحال، عدة سنوات (١).

كان عاشور في قسنطينة أثناء ثورة ١٨٧١، وقد اجتمع بالشيخ الحداد


(١) انظر حياته العائلية في فصل الشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>