فيما يبدو ألفها أثناء سجنه وابتلائه بسبب مواقفه التي اشتكى منها بعض الناس للسلطات الفرنسية. وقد يكون وجهها إلى أحد تلاميذه ومعارفه إذ حمله فيها السلام إلى (مولانا ابن علي الشريف) وطلب من سائله أن لا ينساه من دعائه (في خلواتك وجلواتك بالسراح الجميل من هذا الثقاف (السجن) المضروب علي بموجب الذب على حرم الأشراف، وبقضاء الحاجات، إن ربك قريب مجيب الدعوات). ويبدو أن الرسالة طويلة، ولكن ما بقي منها واطلعنا عليه لا يتجاوز اثنى عشر ورقة (٢٣ صفحة)(١).
وفي الوقت الذي كان فيه عاشور يعاني الحرمان المادي والإرهاق النفسي، بسبب قلمه وطول لسانه، كان الإبراهيمي قد هاجر إلى الحجاز ملتحقا بوالده الذي سبقه إلى هناك. كان الإبراهيمي قد تكون في زاوية ابن علي الشريف من جهة وعلى يد عمه من جهة أخرى. ثم اتصل في مصر أثناء سفره ببعض الشيوخ مدة ثلاثة أشهر. ومنها توجه إلى المدينة حيث وجد التدريس تقليديا إلا عند شيخ أو اثنين، ومنهم أحد مشائخ تونس، اسمه محمد الوزير، ثم أحد علماء الهند. وبعد ثورة الشريف حسين (١٩١٦) أجبره الأتراك مع عرب آخرين على التوجه إلى سورية مع عائلته. وقد قال إنه كان ضد هذه الثورة التي اعتبرها (مشؤومة)، واستجاب لدعوة العثمانيين بنقل سكان المدينة إلى دمشق بعد أن تعذر نقل الغذاء إليهم لظروف الحرب. ولكن الإبراهيمي لم يكن مواليا للعثمانيين أيضا. فمن جهة رفض وظيفة عرضها عليه جمال باشا، والي دمشق العثماني، ومع ذلك فإن هذا الوالي لم يضطهده كما اضطهد مثقفي وزعماء الحركة القومية في سورية. ومن جهة
(١) ألفها وهو في خنقة سيدي ناجي سنة ١٣١٧، ولعله كان هناك تحت الإقامة الجبرية. وجاء فيها أنه كليب الهامل ومولى البوازيد وشاعر الأشراف، خادم العلم الشريف وأهله. والرسالة غير مذكورة في (منار الإشراف). أطلعني عليها الأخ علي أمقران السحنوني في ٨ غشت ١٩٨٠. فهل وجه الرسالة إلى الشيخ محمد السعيد بن زكري وعن طريقه إلى ابن علي الشريف؟ وهل هذه المراسلة هي التي أدت إلى إطلاق سراحه بتدخلات هذين الشيخين؟.