أخرى كان الإبراهيمي يعرف الأمير فيصل بن الشريف حسين الذي دخل دمشق على رأس الجيش العربي بمساعدة الإنكليز. وقد عرض عليه فيصل بعض الوظائف الرسمية فاعتذر أيضا. واكتفى بالتدريس في الجامع الأموي وفي بعض المدارس الرسمية.
وبعد دخول سورية تحت طائلة الانتداب الفرنسي وطرد فيصل من سورية، اختار الإبراهيمي الرجوع إلى الجزائر. ولم يذكر هو سبب رجوعه: هل كان لأسباب سياسية أو عائلية أو مادية؟ ففرنسا كانت في الجزائر وها هي الآن في سورية. وقد انتهى الحكم العثماني والحكم العربي في سورية. وقد أحس بعض الجزائريين بالحرج من الانتداب الفرنسي وهو في سورية، فقد كان منهم الأعداء الألداء لفرنسا وهم أحفاد المهاجرين الأوائل، غير أن بعضهم رأى الاستفادة من الوجود الفرنسي بعد أن أعلن الفرنسيون أنهم كانوا يحمون (رعاياهم) الجزائريين. ومن جهة أخرى نعلم أن الإبراهيمي كان على صلة بالشيخ ابن باديس منذ لقائهما في المدينة المنورة سنة ١٩١٣، وكان لهما مخطط سري يقتضي العمل المشترك لإنشاء حركة إصلاحية - تعليمية في الجزائر.
ومهما كان دافعه في الرجوع إلى وطنه سنة ١٩٢٠، فإن الإبراهيمي لم يجد طريقا مفروشة بالزهور. وقد ظل سنوات وهو يعاني الحرمان كما عاناه الشيخ عاشور. فلا وظيفة ولا تجارة ولا تدريس. يقول الشيخ الإبراهيمي عن نفسه إنه تظاهر لفرنسا بالتجارة منعا للشك فيه. ولكن السلطات الفرنسية كانت ربما لا تخفى عليها خافية. وأية تجارة؟ إنها عملية بسيطة تتمثل في شراء بعض الأشياء كالبرانيس والشحوم ثم بيعها للناس بالتقسيط. ولكن أمثال الإبراهيمي لم يخلقوا للتجارة، فمن أين كان يعيش؟ لقد قيل إن أسرة ابن علي الشريف قد اتصلت به وحاولت منحه وظيفة مدرس في زاويتها ليعيش منها. وقيل إنهم قد عرضوا عليه وظيفة مفتي في بجاية، وهو وظيف لا تمنحه إلا إدارة الشؤون الأهلية وتوقيع الحاكم العام. ولكن شيئا من ذلك لم يتم. إنها مجرد محاولات وربما جس نبض أمام ضغط الحاجة المادية.