به عن مألوف المقالة العادية. وقد اختار هو ما رآه خالدا من تلك المقالات لما فيها من قيم بلاغية وأخلاقية وأدبية ونشرها تحت عنوان (عيون البصائر)(١)، وهي عيون لا من حيث موضوعاتها الهامة فقط ولكن من حيث أسلوبها النادر الجميل.
ومن مساهماته في هذا الميدان مقالاته القصيرة التي نشرها تحت عنوان (سجع الكهان). وهي قطع من الأدب الصرف رجع فيه إلى أساليب العرب القديمة في صوغ السجع على لسان الكهان، واستعاد فيه صفاء اللغة وإشراق الأسلوب مع معالجة موضوعات حديثة. وكان كثير من التلاميذ في المدارس والمعلمين وهواة الأدب الراقي يحفظون تلك الأسجاع عن ظهر قلب ويتهادون بها ويقلدونها، لطرافتها وجمالها وارتباطها بالحياة المعاصرة، مثل القطعة التي تناول فيها الحالة في اليمن عندئذ. والغالب أن الإبراهيمي كان لجأ إلى هذا الأسلوب عندما يريد الابتعاد عن الطريقة المباشرة فيستعمل الرموز ويدير الكلام بالتوية على لسان كاهن من أهل الحي، أو هو كاهن الحي نفسه، كما كان يطلق عليه.
وهناك مقالات عادية ولكنها تميزت بأسلوب أدبي دافق. ونشير هنا إلى مقالاته عن الشباب الجزائري كما تمثله له الخواطر. ومقالته عن إضراب طلبة جامع الزيتونة، ومقالته في عبد الحي الكتاني، وغيرها.
ومنذ سافر إلى المشرق سنة ١٩٥٢ زار عدة بلدان عربية وإسلامية. وكان لا يكاد يجد وقتا لتحرير المقالات التي تشنف القراء في الجزائر وغيرها، إما لابتعاده عن أوضاع البلاد وإما لكثرة أشغاله وتنقلاته وزواره، وإما لتقدم السن به ومعاناته من بعض الأمراض. ولكنه لم ينقطع عن البصائر
(١) ط. أول مرة في مصر، ١٩٦٣، وأعيد طبعه عدة مرات. انظر أيضا (آثار) الشيخ الإبراهيمي، وهي في أجزاء. وقد جمعت من قبل بعض أصدقائه وتلاميذه وبإشراف ابنه. ومن ضمن كتاباته مقالته (تعريب المدرسة أساس كل تعريب) نشرت بعد وفاته في مجلة (اللسان العربي) عدد ٤، ١٩٦٦، ثم أعيد نشرها في كتاب (في قلب المعركة).