المؤتمرات وجموع القبائل والحشود العسكرية. وقد ذكر المترجمون للأمير مجموعة من تلك الخطب السياسية - الجهادية. وليرجع من شاء إلى هذه المؤلفات: تحفة الزائر، وحياة الأمير عبد القادر لتشرشل. ومن ذلك خطبته بعد البيعة الأولى والبيعة الثانية. وقد قال صاحب (تحفة الزائر) في الخطبة الأولى إنها (مبتكرة طويلة تحتوي على وعظ ووعد ووعيد وأمر ونهي وحث على الجهاد). وقد تحدث عنها أيضا تشرشل (١).
ومن الخطب البليغة والمؤثرة في عهد الأمير خطبة عمه علي بن أبي طالب سنة ١٨٣٧. وكان مدار الخطبة هو إقناع المعارضين لمعاهدة التافنة بقبولها لأنها تخدم، في نظر الخطيب، مصالح الدين والوطن. وقد استعمل فيها علي أبو طالب السجع الجميل في أغلبه، ولمح فيها إلى الشواهد المؤثرة في سامعيه. وربما التجأ إليه الأمير لإقناع المعارضين في مجلس الشورى وذلك لمكانة عمه الدينية والأخلاقية. وكان الأمير متزوجا ابنة عمه المذكور. وفي الخطبة وصف لحالة الحرب وحالة البلاد عموما في ذلك التاريخ. وقد تميزت بأسلوب فني كان له مفعوله على جمهور الحاضرين. وكانت معاهدة التافنة قد وقعت في نهاية الأمر بين الأمير والجنرال بوجو، ممثل فرنسا عندئذ في وهران وما احتله الفرنسيون من أقليمها.
بدأ علي أبو طالب خطبته - بعد أن حمد الله وصلى على النبي - ص- بقوله:(وقد علمتم أيها السادة أنه لما تكاثرت المظالم، وتواطأ العمال ومن وافقهم على ارتكاب الماثم، انتقم الرب تعالى منهم وعمنا ذلك منهم، قال تعالى:{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}. وهو يشير (بالعمال) إلى الحكام العثمانيين - الأتراك - الذين أشاعوا الظلم والفساد في نظره، وهو سبب الاحتلال (فسلط الله علينا عدو ديننا فتكالب على بلادنا، واستولى على مراسينا، واستبدل مساجدنا فيها بالكنائس، وأخلاها من المدرس
(١) (تحفة الزائر) ط. ١٩٠٣، ١/ ٩٧. انظر أيضا ترجمتنا لكتاب تشرشل (حياة الأمير عبد القادر)، ط. ٢، ١٩٨٢.