والدارس). ثم ذكر كيف تبدلت الأحوال واضطرب الناس وغاب عنهم القائد وتحيرت عقولهم (فمرج لذلك أهل قطرنا، وضاقت بهم أرض مغربنا، واستبدلوا القصور المشيدة بخيام الشعر ومضارب الوبر، وتفرقوا أوزاعا في المواطن، وتباينوا في الموارد والمعاطن ... إلى أن طالت القصة، وعز ما ندفع به عن هذه الغصة، ومالت شمس الاتفاق إلى الأفول، وتهيأ جند التناصر والتعاضد للرواح والقفول، فأظهر الله تعالى بلطفه بدر الدين، ومؤيد كلمة المؤمنين، ابن أخي هذا السيد عبد القدر بن محيي الدين، فبذل جهده في الذب عن الدين والوطن، وأتى في ذلك من العجائب والغرائب ما هو به قمن).
ثم وصف علي أبو طالب مسيرة المقاومة تحت راية الأمير وما حققته، وتوالت الحروب والإمدادات العسكرية الفرنسية. وكيف (استدعى حضرة الأمير ... ملوك الإسلام في أقاصي البلاد، واستنصرهم للجهاد، فأعاروه أذنا صماء ولم يسمعوا له نداء، بل أجابه لسان الحال لا حياة لمن تنادى، ولا معين على من تمادى). وخلص الخطيب إلى أن الأمير إذا لم يقبل ما عرضه العدو عليه فإنه، وهم جميعا معه، سيكونون ممن يلقون بأيديهم إلى التهلكة. وبذلك يرجع الفساد وتمشى سماسرة الفتنة بين الناس. ولكن (اذا صحت النية، وصحت المقاصد السنية، فلا حرج على حضرة الأمير فيما استشاركم فيه واستلفتكم إليه، إذ هو من سياسة السلف، ومن تبعهم من ملوك الخلف، وهو الذي عليه فتوى الفقهاء وبه عمل العلماء ... وصون دماء المسملين فرض متعين حتى في الجهاد. وقد قيل ... الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرطه الأمن على النفس والأهل والمال مع ظن الإفادة ... فالنظر أيها السادة إنما هو للإمام لا لغيره ...) وقد أنهى الخطبة بحث أعضاء المجلس على قبول الصلح وتوكيل الأمير في ذلك. وهو ما وقع بالفعل (١).
(١) تحفة الجزائر ١/ ١٧٥ - ١٧٦. وأيضا محمد طه الحاجري (جوانب من الحياة العقلية ... في الجزائر)، مرجع سابق، ص ٧١.