للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد الأمير كادت الخطبة السياسية - الجهادية تنحصر في خطب الأشراف والمرابطين الذين تميز بهم العهد من ١٨٤٨ إلى ١٨٨٢. وكان هؤلاء يظهرون بين الفينة والأخرى فيهزون المجتمع هزاه عنيفا، ولا سيما المجتمع الريفي، فيدعون إلى الجهاد وجمع الكلمة وتوحيد الصفوف والطاعة، وذلك في عبارات قصيرة وحماس وغيرة على الدين والوطن. وهؤلاء الخطباء عادة يحلون كلامهم بالقرآن والحديث لإقناع سامعيهم والتأثير عليهم. ومن هؤلاء الشريف بو بغلة، والشريف بوزيان، والشريف المقراني والشريف محيي الدين (ابن الأمير) والمرابط محمد الحداد وابنه عبد العزيز، والمرابط بو عمامة، والأجواد من عائلة أولاد سيدي الشيخ. ولا توجد حتى الآن خطب مكتوبة أو مدونة لهؤلاء لأنهم كانوا يلقون كلامهم في الجموع ثم يفترقون استعدادا للجهاد.

ومنذ فاتح هذا القرن اختلطت بعض الخطب بالدروس المسجدية، وظهرت الخطبة الإصلاحية على يد الشيخ المولود بن الموهوب. وكان نادى صالح باي في قسنطينة مجالا لابن الموهوب لبث هذا النوع من الخطب التي تسمى أحيانا (محاضرات) بلهحة الصحف عندئذ. ومن أشهر ذلك خطبة قبوله وظيفة الفتوى سنة ١٩٠٨ وقد حث فيها على التعلم واغتنام فرصة فتح المدارس الفرنسية. وهي خطبة مكتوبة، وقد عثرنا على نصها ونشرناه (١). وظهر خطباء آخرون في النوادي التي تأسست في العاصمة مقل نادي الرشيدية ونادى التوفيقية ثم نادى الترقي، ونحن نعرف أن الناديين الأولين قد تميزا بـ (المحاضرات) وليس بالخطب، أما نادي الترقي فقد عرف عدة خطباء بالمعنى الذي نقصده هنا، وهو استعمال اللغة العربية الفصيحة والارتجال في الكلام وتناول الموضوعات الإصلاحية. وكان أبرز الخطباء في النادي الأخير (تأسس سنة ١٩٢٧) هو الشيخ الطيب العقبي وابن باديس وأحمد توفيق المدني (٢).


(١) انظر كتابنا أبحاث وآراء، ج ٣.
(٢) عن تأسيس نادي الترقي ودوره انظر فصل المنشآت الثقافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>