وهناك مناسبات عديدة ظهر فيها هؤلاء، وبالأخص العقبي وابن باديس، مثل الحفلات السنوية لبعض المدارس والجمعيات، وزيارة بعض الأعيان من العرب، وتأسيس جمعية العلماء واجتماعاتها السنوية، وهكذا. ومن المناسبات التي احتضنها نادي الترقي المؤتمر الإسلامي سنة ١٩٣٦، وقد ألقيت فيه الخطب التحضيرية فقط، لأن نشاط المؤتمر قد وقع في بعض دور الحفلات أو في الملاعب العامة.
وقد توسعت الخطبة الإصلاحية في عهد جمعية العلماء لارتباط الجمعية باللغة العربية واستعمالها في التعليم والوعظ والإرشاد والصحافة وتعميمها في كامل القطر. وهكذ ظهر، بالإضافة إلى من ذكرنا، خطباء ووعاظ ومدرسون من أمثال أبي يعلى الزواوي والعربي التبسي، ومبارك الميلي وأحمد سحنون، وعبد القادر الياجوري. وكان الأخير من أبرز خطباء هذه المرحلة وقد جمع بين الخطاب السياسي والإصلاحي، وكان محركا للجماهير وموقظا للنفوس بطريقة مؤثرة (١). إن الخطبة الإصلاحية على يد هؤلاء قد خرجت من موضوع الاستنهاض والسلفية إلى الموضوعات الاجتماعية كالفقر والغنى والتكافل والتضامن والمرأة والتعليم، والموضوعات الوطنية كتاريخ الجزائر والعرب والإسلام والاستعمار واستقلال الشعوب وحريتها. وقد أعدت مدارس جمعية العلماء منهجا تربويا لتكوين الخطباء، فألزمت المعلمين بتعليم الأطفال فن الخطابة من الصغر وتشجيعهم على الإلقاء أمام زملائهم وفي الحفلات العامة وارتجال الكلمات المناسبة. كما أن جمعية العلماء قد أسست النوادي ليتبارى فيها الخطباء في المناسبات المختلفة. وسنرى أن الجمعية قد شجعت أيضا التمثيل كجزء من تشجيع الخطابة بين الشباب.
لقد اشتهر ابن باديس بخطبه النافذة والمؤثرة. وكان مخلصا في كلامه
(١) كنا كتبنا سيرة له وبدأت بعض الصحف في نشرها خلال غشت ١٩٩٤. ثم نشرت كاملة في مجلة الثقافة، ١٩٩٥، ولكن بدون التعاليق.