الرسمي الموضوع تحت إدارة الشؤون الأهلية ومنها ما هو مستقل عنها. والنوع الأول هو الذي كان خطباؤه معينين رسميا ولا يخرجون عما ترسمه لهم الإدارة قيد أنملة، وهي التي كانت تدفع إليهم المرتبات الشهرية. أما النوع الثاني من المساجد فقد كان خطباؤه أحرارا مستقلين عن الإدارة ولا تدفع لهم شيئا، وإنما كانوا يعينون من قبل الجماعات أو كانوا متطوعين. وبعض المساجد كانت تابعة للزوايا وكان خطباؤها من المرابطين. والمساجد الأخيرة - المستقلة أو التابعة للزوايا - هي التي كان خطباؤها يعالجون موضوعات غير مملة، موضوعات اجتماعية ودينية تهم العامة والتربية العمومية. ولكن الإدارة الفرنسية كانت تراقب هذا النوع من خطباء المساجد عن طريق المكاتب العربية الرسمية وعن طريق الجواسيس الذين تبثهم في المصلين والمستمعين، وكذلك عن طريق القياد وشيوخ الأعراش وأعوانهم.
ولكن الزمام كان يفلت أحيانا من يد الإدارة عند وقوع ثورة من الثورات، مثل ثورة ١٨٧١ وثورة ١٨٨١. فالخطيب حنيئذ يصبح هو نفسه داعية للتمرد وتصبح الكلمات مثورة ومهيجة. وليس لدينا أمثلة كثيرة على ذلك. ومنه ما قام به أبو القاسم البوجليلي أثناء ثورة ١٨٧١، فقد كان يخطب الجمعة ويعلن ولاءه للسلطان عبد العزيز العثماني. والمعروف أن فرنسا عندئذ قد هزمت في أروبا على يد بروسيا وأن حالة الاستنفار قد أعلنت في الجزائر على يد عدد من دعاة الثورة. وكان البوجليلي من الزعماء الرحمانيين ومن كبار المربين في وقته. وقد قيل إن خطبه كانت تدعو على هذا النحو: اللهم انصر خليفتك الإمام الناشر لواء الإسلام، ذا الأمانة والأمان، عبد الحميد (كذا) خان، اللهم انصره نصرا تعز به الدين، وتذل به رقاب الكافرين، اللهم أهلك الكفرة وما ابتدعوا، وشتت شملهم وما جمعوا، ووهن كيدهم وما صنعوا، واجعلهم فيئا للمسلمين، وغنيمة للموحدين، وانصرنا عليهم يا خير الناصرين) (١).
(١) عمار الطالبي، محاضرة عن البوجليلي في الملتقى ١٥ للفكر الإسلامي بالجزائر، وذكر الطالبي أنه أخذ المعلومة من مخطوط للبوجليلي يرجع إلى سنة ١٢٧٨ هـ =