شاهدنا خطباء في المساجد الرسمية لا يكادون يهجون حروف الخطبة المكتوبة. فنحن إذن أبعد ما نكون عن البيان والبلاغة والبحث عن نماذج للخطابة الأدبية التي نحن بصددها.
هناك أسماء لعلماء اشتهروا مع ذلك بالخطابة في المساجد الرسمية. وقد أشاد بهم معاصروهم، لأن خطبهم لم تصل إلينا. فبالإضافة إلى مصطفى الكبابطي الذي كان يمثل بقية الجيل السابق للاحتلال نذكر حميدة العمالي وعلي بن الحفاف، وكلهم خطباء الجامع الكبير بالعاصمة. وكان أبو القاسم بن الشيخ قد ولى الخطابة في الجامع الكبير أيضا ولكن بعض تلاميذه قالوا إنه كان ينيب غيره في ذلك. ولا شك أن ذلك ليس تواضعا منه، فإما أن يكون خجولا أو خائفا، أما علمه فلا شك فيه، كما أن المنصب المذكور قد تولاه محمود كحول، وكان من الكتاب والصحفيين والشعراء والمدرسين. ولا ندري تأثيره في الخطابة ما دام لا يستطيع الخروج عما رسم له.
أما في قسنطينة فقد اشتهر من الخطباء والمفتين المولود بن الموهوب. وقد سبقه في الخطابة بالجامع الكبير محمد الصالح بن مهنة الذي سنتحدث عن خطبه. وكان علي بن عبد الرحمن مفتي وهران مدة طويلة، ولكننا لا نعرف أنه كان متوليا للخطابة فيها أيضا. وكان ابن عبد الرحمن هذا من علماء الوقت. وكان هناك خطباء جمعة وأعياد آخرون قادرين لو أتيحت لهم الفرصة ومنحت لهم الحرية في القول والإنشاء وتناول الموضوعات الحيوية المتعلقة بالمعاملات والحياة الاجتماعية. وقد عرف من الخطباء المرتجلين - وهذا غريب - الشيخ أبو يعلى الزواوي، وهو الذي سن نوعا من الخطب سنتحدث عنه بعد قليل. لقد كان الفرنسيون يعتبرون اللغة العربية قد ماتت ولم يبق لها سوى الاستعمال التعبدي في الصلوات حيث لا يفهمها أحد وحيث يكون مصيرها هو مصير اللاتينية.
ولكن ليس كل رجال الدين كانوا موظفين لا يخطبون إلا من أوراق مكتوبة أو كانوا عاجزين عن الخطابة الفنية. نحن سلم أن المساجد منها