أما الخطب السياسية الحديثة فقد كانت انطلقت مع ظهور الأحزاب والتجمعات والمؤتمرات والانتخابات. وقد أصبح لكل حزب وجمعية خطباؤها. واستعملت لذلك العربية والفرنسية واللهجات المحلية. وكان خطباء جمعية العلماء لا يتدخلون في السياسة علنا، ولذلك نجد تدخلاتهم مصبوغة بالصبغة الدينية والاجتماعية أو مغلفة. المناسبات السياسية التي ظهروا فيها وألقوا خلالها بخطبهم إلى الجمهور، هي المؤتمر الإسلامي ولواحقه سنة ١٩٣٦، وقد ظهر فيه ابن باديس والعقبي والإبراهيمي بشكل واضح. ويجد الباحث وصفا لذلك في الجرائد والمجلات المعاصرة كالشهاب والبصائر.
والمناسبة الثانية هي انعقاد ندوة جبهة الدفاع عن الحرية سنة ١٩٥٢. وقد خطب فيها الشيوخ: العربي التبسي ومحمد خير الدين وأحمد توفيق المدني. والنصوص موجودة في البصائر والمنار. وكان الشيخان التبسي والمدني من المرتجلين للخطب، ويغلب على الأول الطابع الديني والاجتماعي، وعلى الثاني الطابع السياسي. وقد حضرت بنفسي خطابا مرتجلا للشيخ المدني (وكان من طبعه ارتجال الخطب) في باتنة سنة ١٩٥٤ عند افتتاح إحدى المدارس أمام جماهير غفيرة، فكان خطابه مؤثرا ومثورا. كما حضرت خطاباته السياسية في القاهرة باسم جبهة التحرير الوطني في عدة مناسبات وأمام جموع الطلبة والمثقفين المشارقة. وكانت الموضوعات عند الخطباء المذكورين وأمثالهم هي السياسة العامة، والحقوق، والمظالم، والتربية والتعليم، وإحياء الأمجاد والإشادة بالعرب وأبطال المسلمين، والدفاع عن العربية والإسلام.
أما الخطب السياسية التي كانت الأحزاب الأخرى تشارك بها باللغة العربية، فكانت قليلة. وقد قيل إن الخطابة السياسية الحديثة بدأت بالأمير
= تأبين الشيخ ابن باديس سنة ١٩٤٠. ولكن المناسبة ظلت تحييها الهيئات والأحزاب وتلقى فيها الخطب في الجزائر وتونس، بمشاركة خطباء البلدين.