للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرضت عليه الإقامة الجبرية والسجن. ثم وصل الأمر إلى محمد الصالح بن مهنة نفسه بدعوى أنه أساء إلى الدولة الفرنسية، وأنه تفوه بكلام ضدها وضد علماء الوقت لا يناسب مع وظيفته كخطيب في جامع رسمي. وادعت جريدة (الأخبار) الفرنسية شبه الرسمية أن ابن مهنة قد أوقفته الإدارة عن عمله (١٩٠٥) لأنه (انتقد ... انقادا شنيعا على الحكومة وعلى كثير من فضلاء المسلمين). ثم نشر ابن مهنة رسالة (أنكر فيها كلية ما نسب إليه من الانتقادات على الحكومة الفرنسية وعلى تنظيماتها)، وأن نقده إنما كان للعقائد، وليس للحكومة. وزعمت أنه سب المفتين والقضاة وجميع العلماء. وعلى أية حال فقد أعيدت إليه كتبه بعد حجزها كما أعيد إلى منصبه (١). ونفهم من بعض أشعار عاشور الخنقي أن ابن مهنة قد تعرض لأبي الهدى الصيادي بالسب (٢). أما هجاء عاشور لابن مهنة فقد أشرنا إليه في فصل الشعر (٣).

قدمنا هذه السطور لنعرف الظروف التي كان يعمل فيها محمد الصالح بن مهنة، فهو بالرغم من توظيفه الرسمي كان غير قار وغير مرتاح. وكان له فكر نير إلى حد كبير، فلم يكن مع الأشراف في كل أحوالهم وإنما جعل العمل الصالح هو الميزان، ولم يكن كذلك مع المرابطين على ما هم عليه في استغلال العامة وتنويمها وإنما كان مع الزهد الذي يؤدي إلى الإنتاج وخدمة الصالح العام. وكانت دراسته في الأزهر وربما إقامته في تونس قد سلحته بالفكر النير، وربما اضطر فقط إلى قبول الوظيف من أجل العيش.


(١) الأخبار- القسم العربي - ١٦ أبريل، ١٩٠٥، ١١، صفر ١٣٢٣.
(٢) من قصيدة نظمها عاشور سنة ١٨٩٥ وجاء فيها:
(رغما لأنف ابن المهنا صالح ... في سبه لأبي الهدى فيما شكر)
وقد اشتهر أبو الهدى الصيادي عندئذ بعدة تآليف في الأنساب والتصوف والدين، منها (ضوء الشمس البديع) في جزئين. انظر عنه أبو منح (السلطان عبد الحميد والشيخ أبو الهدى الصيادي) في مجلة دراسات الشرق الأوسط. J.M.E.S، مايو ١٩٧٩، ص ١٣١ - ١٥٣. ودافع الصيادي عن الطريقة الرفاعية أيضا.
(٣) انظر فصل الشعر، فقرة الهجاء والفخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>