ومع ذلك لم يسلم شخصه ولا علمه ولا كتبه من الأذى. وفي الوقت الذي هاجر فيه علماء وأعيان إلى الشرق، مثل حمدان الونيسي، واستعدت فيه عائلة ابن باديس للهجرة في فترة سابقة، وعائلات غيرها من سطيف وقسنطينة، لم نسمع أن ابن مهنة هاجر أو حاول الهجرة. فقد بقي إلى وفاته سنة ١٩١١ في قسنطينة. وقد نوه بأثره في الناس مالك بن نبي الذي سمع عن تأثيره وهو تلميذ. وابن نبي من المعاصرين القلائل الذين ذكروا ابن مهنة. فهو، رغم مكانته ما يزال مجهولا. وقد سلط عليه سليمان الصيد في كتابه عنه بعض الضوء، ولكن ابن مهنة ما يزال في حاجة إلى دراسة شاملة ومرتبطة بالظروف التاريخية والسياسية التي أشرنا إليها مع الاستفادة من الوثائق الفرنسية في الموضوع.
بدأ ابن مهنة كتابه (الفتوحات الأزهرية) بهذه العبارات (أما بعد، فهذا ديوان يشتمل على الخطب المنبرية، والمواعظ الجمعية، أنشأته دررا، وحبرته غررا، اقتطفت أكثره من حديث سيد الكائنات، وجنيت بعضه من الحكم المبتكرات، متجنبا لغريب اللغات، جانحا إلى أوضح العبارات، عل الله ينفع به العباد، ويجعله خير زاد، ويفتح به آذانا صما، وقلوبا غلفا). وقد ذكر أنه احتوى على ألف حديث شريف، بعض الأحاديث أوردها بألفاظها وبعضها بالمعاني فقط. وأخبرنا عن طريقة تأليفه فقال:(من فوائد هذا الديوان، مما اختصر به ولم يوجد في غيره، إني صدرت كل خطبة بحديثين وذيلتها بثلاثة أحاديث ... والتزمت أن يكون الأول من الثلاثة من صحيح البخاري والثاني من صحيح مسلم والثالث من غيرهما، كما التزمت في الصدر أن يكون أحد الحديثين من الشمائل النبوية، والثاني من الترغيب والترهيب، والتزمت أيضا تصدير كل خطبة بآية قرآنية وختمها بآية. فيشتمل الديوان (الكتاب) على نحو مائة آية قرآنية، وعلى نحو ثلاثمائة حديث نبوي (المصرح بها)(١).
(١) عبارة (المصرح بها) موجودة هكذا في المخطوط، وهي محيرة. ونعتقد أنه يشير إلى أن بعض الأحاديث الشريفة كانت السلطات الفرنسية تمنعها على الخطباء، مثل الجهاد والغنائم والحرب والضرائب الإسلامية. وكانت الآيات الدالة على ذلك ممنوعة أيضا في الدروس والخطب.