للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطابه، وأشهد أنه قد كان لتلك الخطب الأثر الفعال في النفوس) (١).

وفي سنة ١٣٤٣ (١٩٢٤) أصدر أبو يعلى كتيبا تحت عنوان (الخطب)، وهو أول كتاب يطبع في موضوعه على ما نعرف (٢). وقد بدأه بديباجة مسجعة وطويلة هكذا: (الحمد لله الذي أنطق الخطباء بالكلام الفصيح، وسهل لهم الارتجال بالكلام الصريح ... أما بعد، فإن جل أو كل أحوالنا، معشر المسلمين، طرأ عليها التغير والفساد، في مشارق الأرض ومغاربها وسائر البلاد، في الماديات والأدبيات، إذ قلت الحسنات وكثرت السيئات، ومن جملة ذلك الخطابة في مساجد الجمعات، فقد توقفت كسائر الحركات، وأسباب ذلك لا تخفى على العارفين، الملمين بأحوال المسلمين، إذ ترجع إلى الترقي والتدلي في أدوار أحوال الأمة وأطوارها ...).

ثم واصل الزواوي حديثه على ذلك النحو إلى أن وصل إلى كون أدوار الفصاحة أيضا قد تدرجت حتى انتهت إلى القرآن الكريم كمعجزة. وحدثنا الزواوي عن تعيينه خطيبا في جامع سيدي رمضان، واعتبر ذلك من منن الله عليه، وعمل بعد ذلك على تجديد طريقة السلف في الخطابة، فالتزم أن تكون الخطبة من إنشائه هو، لا من إنشاء الآخرين، مثل الإدارة الفرنسية (؟). واعتبر ذلك أيضا عودة للأصول إذ الأصل هو أن تكون الخطبة من إنشاء الخطيب ودون ورقة، أي ارتجالا. ولا ندري كيف رضيت الإدارة بهذه الطريقة وعلى حساب ماذا (٣). وقضى الزواوي على ذلك النحو سنة ثم بدا له أن يدوون خطبه (لكيلا يقال نقلها عن الغير وحفظها وسرقها، (وأنها) ليست


(١) أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر)، ص ٩٤. ومسجد سيدي رمضان بالعاصمة هو المسجد الذي كان أبو يعلى يخطب فيه.
(٢) طبع الجزائر، باستيد - جوردان - كاربونيل، ١٣٤٣ هـ، ٧٨ صفحة.
(٣) هذا الخروج عن مألوف الإدارة وعدم اتخاذ الإدارة أي شيء يخالفه يدل على أن هناك موقفا خاصا منه. ونحن نعلم أن الزواوي عمل موظفا في القنصلية الفرنسية بدمشق قبل الحرب العالمية الأولى، ولعله كان أيضا على صلة بقنصلية فرنسا في مصر خلال الحرب حيث قضى خمس سنوات.

<<  <  ج: ص:  >  >>