ورغم صغر حجم كتاب (الخطب) فإنه قد احتوى على معلومات مفيدة في تاريخ الخطابة والخطباء. فبعد تعريفه الخطبة في اللغة، تحدث عن الخطابة قبل الإسلام، مثل خطبة قس بن ساعدة، ثم الخطابة في العصر الإسلامي ابتداء من أول خطبة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، ثم خطبته في حجة الوداع، وخطب الصحابة ومن جاء بعدهم مدة ثلاثة قرون، ثم الخطابة في العصر العباسي الثاني والمملوكي، والعصور المتأخرة، أي منذ القرن الثامن (هي خطب المتصوفة أكثرها في فضائل رجب وشعبان ورمضان وصيامها، والذكر والاستغفار وطرز ذلك بالسجعات ... والدعاء لسلاطين آل عثمان). وتدخل الزواوي في موضوع شائك ويعتبر خارجا عن موضوع الكتاب. ولكنه كان شائعا، وهو نسبة آل عثمان للعرب ولقريش خاصة وللشرف، وانتقد هو ذلك بشدة واعتبر الأيمة الذين يدعون إلى ذلك كاذبين. وقال إن آل عثمان مسلمون فقط. وانتقد آل عثمان على إضرارهم باللغة العربية وتخريبها قائلا إن قضاتهم لا يحسنون العربية، وروى أنه اجتمع في الشام مع بعض قضاتهم فكانوا عاجزين عن التفوه بكلمة عربية، بينما البربر والفرس قد خدموا اللغة العربية. وعندما تحدث عن الخطبة الشرعية للجمعة قال إن عليها أن تكون بالعربية، واعترض على الخطبة باللغة التركية سنة ١٣٤١ هـ لأنها في نظره (لغو) ولعله في ذلك كان يرد على من نادى باستعمال غير العربية في الخطب منذ الفرنسيين.
وانتقل إلى الحديث عن الخطبة المحكية أو المنقولة، وقال إن مواضيعها هي درء المفاسد وإرشاد العامة ومحاربة البدع والاهتمام بوحدة التربية والتعليم حتى (نتجنب الخلافات في المذاهب والأحزاب والألسنة وحتى الطرق الصوفية). وذكر أن نكبات التاريخ تشهد على أن الخلافات المذهبية وإن كان أصلها صحيحا، فإنها قد أدت إلى نزاعات، وكان من رأيه التوقف عن ذلك وعن الخلاف في التصوف. وقد أشاد بالخطباء في مصر والشام وقدرتهم على التحكم في اللغة عندما يرتجلون الخطب، ونوه برباطة