للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جأشهم، وهم لا ينقلون من ورقة، خلافا لخطباء الجزائر (وكان في ذلك يعزض بهم وبالإدارة التي تقيدهم). وذكر أنه حضر بعض خطباء مصر والشام، ومنهم خالد النقشبندي، في الجامع الأموي، وعابد بن حسين في مصر. واجتمع بالأول على طعام الغداء. ومن رأى الزواوي أن المشارقة (وهو يعرفهم جيدا) بقوا على تقدمهم في الحياة الفكرية بينما تأخر المغاربة منذ سقوط العواصم العلمية كالأندلس والقيروان وبجاية وتلمسان. ورأى أن ذلك قد أدى إلى التصوف وسيادة المتصوفة، (فاقتنعنا بالزهد في العلوم وتصوفنا، فلا مطبعة ولا جمع ولا جماعة ولا مدرسة ... إلا المتصوفة). وقد حول هؤلاء المدارس إلى قباب وفتحوا الصناديق لجمع المال (١).

انتصر الزواوي للغة العربية في الخطابة وميز بين الخطب الاجتماعية والدينية والخطب السياسية. ولم يقبل أن تكون الخطابة المنبرية بغير العربية واعتبر أن الخطابة بغيرها لغو من الكلام. وقال: يجب تجنب رطانة ولهجات أهل المغرب والعجم واللهجات المحلية والتغني والتصنع والعجمة الزواوية: (قد طرحت بقدر الإمكان لهجة عجمتنا الزواوة وتغني حضر الجزائر المدينة) (٢). واعتبر الزواوي الدعاء للسلاطين لغوا أيضا وكذلك الكلام غير المشروع والدعاء بالشر، وكل ما هو خارج عن الخطبة. أما الخطب السياسية فهي تلك التي يلقيها الرؤساء والزعماء والوزراء وتنشرها الجرائد. ورأى أن العبرة في هذا النوع من الخطب هي في (القائل والمقول) وليس في الفصاحة والبلاغة. والصحيح أن البيان له دور كبير في الخطب السياسية أيضا، ولا


(١) رأى أبي يعلى على العموم صحيح في وصف الظاهرة، ولكنه أهمل أسبابها، ولا سيما في العهد الاستعماري الذي قضى على التعليم وشجع التصوف الكاذب. وقد أفادته إقامته في المشرق على عقد هذه المقارنة، وربما سمع بعض هذه الأفكار من الفرنسيين أيضا.
(٢) الخطب، ص ٢٣. والظاهر أنه يقصد بالعجمة النبرات الصوتية الخاصة بالنطق الزواوي ولهجة حضر العاصمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>