وفي المقالة وظهرت القصة والمسرحية، ولكن المقامة بقيت نادرة. وربما كان البعض ينظر إليها على أنها وسيلة للغموض والتقعر والتفاصح الفارغ، سيما إذا كان الذين يحاولونها غير ملمين بالأحداث الكبرى ولا يحسنون فن القص الأدبي. وقد ذكرنا أن الإبراهيمي قد برع في أسلوب معين سماه سجع الكهان نشر منه نماذج بين ١٩٤٧ - ١٩٥٢.
والمقامات التي علمنا بوجودها أو اطلعنا عليها قليلة. وها نحن نذكرها حسب ترتيبها بقدر الإمكان:
١ - المقامة الصوفية أو شبه المقامة، وقد وضعها الأمير عبد القادر في صورة قصصية، كمقدمة لكتابه (المواقف) في التصوف. تصور الأمير أنه كان في مجمع من الأصحاب فأخذوا يتساجلون أثناء بحثهم عن الحقيقة الإلهية، وهي كما قال محمد طه الحاجري، تلك الغائية الفاتنة (١). والمعروف أن التصوف لم يكن جديدا على الأمير، فقد ورثه عن الأسرة، وكانت طريقة والده هي القادرية، ولكنه اتصل بعد حجته الثانية بعدد من المتصوفين في الحجاز ومنهم الشيخ محمد الفاسي الذي أدخله الطريقة (النقشبندية؟). لقد كانت حجته (١٨٦٣ - ١٨٦٤) فرصة لتجديد العهد بأقطاب التصوف والعودة إلى ملكوته اللامتناهي.
وقد اختار الأمير لمقامته اسم المعشوقة وهو يقصد بها الحقيقة. وجاء فيها (حضرت محاضرة من محاضرات الشرفا، ومسامرة من مسامرات الظرفا، في ناد من أندية العرفا، فجاؤوا في سمرهم بكل طرفة غريبة ومستظرفة عجيبة، وكان الحديث شجونا وألوانا وفنونا، إلى أن تكلم عريف الجماعة ومقدم أهل البراعة، فقال: أحدثكم بحديث هو أغرب من حديث عنقاء مغرب، فاشرأبوا لسماعه ومدوا أعناقهم، وفرغوا قلوبهم وحدقوا أحداقهم، فقال: إن في الوجود معشوقة غير مرموقة، الأهوية، إليها جانحة، والقلوب بحبها طافحة، والأبصار إلى رؤيتها طامحة، يطير الناس إليها كل
(١) محمد طه الحاجري (جوانب من الحياة العقلية ...)، القاهرة، ١٩٦٨، ص ٦١.