مطار، ويرتكبون الأخطار، ويستعذبون دونها الموت الأحمر، ويركبون لطلبها المكعب الأسمر (أي قناة الرمح)، ولا يصل إليها إلا الواحد بعد الواحد في الزمان المتباعد، فإذا قدر لأحد مشارفة حماها، ومقاربة مرماها، ألقت عليه اكتسترا لا له مادة ولا مادة، ولا هو عين ممتدة، فيحصل انقلاب عينه، وجميع الأعيان في عينه، إلى عين هذه المعشوقة، التي هي غير مرموقة، المعلومة المجهولة، المغمودة المسلولة، الباطنة الظاهرة، المستورة الساترة، الجامعة للتضاد ... ولا يقدر أن يعبر عنها بعبارة ... أكثر من قوله: وصلتها وحصلتها. وبعد التعب والعنا ... وجدت هذه المعشوقة (هي) أنا، ويتبين لي أنني الطالب والمطلوب والعاشق فما كان هجري للذاتي، إلا في طلب ذاتي ... ولا وصولي إلا إلي، ولا تفتيشي إلا علي، ولا كان سفري إلا مني في إلي) (١).
٢ - ومن العائلات المهاجرة عائلة المبارك، هاجرت منذ بداية الاحتلال - الأربعينات - ومنها محمد المبارك بن محمد. وقد تميزت العائلة في بلاد الشام بإتقان اللغة العربية والتوسع في الأدب حتى أن هذه (الصنعة) قد توارثتها أجيالها، ولد محمد في بيروت سنة ١٨٤٨ وعاش إلى أن توفي في دمشق سنة ١٩١٢. ثم واصل أبناؤه وأحفاده مسيرته. وقد درس على علماء جزائريين وشاميين، وتوظف في عدة وظائف، ومنها القضاء في أزمير، وأسس مدرسة النهضة العلمية، وترك مجموعة من الآثار الأدبية، منها رسالة في رثاء الأمير بعنوان (لوعة الضمار في رثاء الأمير عبد القادر) وهي مطبوعة، كما طبع أعمالا في شكل مقامات (حسب عناوينها)، منها (غريب الأنباء في مناظرة الأرض والسماء) و (غناء الهزار في محاورة الليل والنهار). والمناظرة والمحاورة فن آخر من أسلوب المقامة.
أما أعمال محمد المبارك المخطوطة فمنها: (المقامة اللغزية والمقالة
(١) كتاب (المواقف)، المجلد ١، ص ١٠ - ١١. انظر أيضا بحث عبد الله ركيبي (فن المقامة في النثر الجزائري الحديث) في مجلة الأصالة، عدد ١٢، ١٩٧٣، ص ٣٣ - ٣٥.