للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستنتاج. فإذا حكمنا من الكتب التي كان يستعملها الأنصاري والتي ألف في موضوعاتها وجدنا أن تعليمه قد اقترب مما نسميه اليوم بالتعليم العالي. فقد كان يستعمل في الأصول كتاب جمع الجوامع للسبكي ومختصر ابن الحاجب، وفي البيان تلخيص المفتاح، وفي المنطق شرح الجمل للخونجي ومختصر السنوسي والسلم المرونق للأخضري، وفي مصطلح الحديث ألفية العراقي، وفي الحديث صحيح البخاري وفي الفقه مختصر خليل وأحكام ابن عاصم، كما كان يدرس كتاب الشفاء للقاضي عياض والبردة للبوصيري وعقائد السنوسي في التوحيد، بالإضافة إلى عدد من كتب السير. وبذلك اشتمل برنامجه على علوم غزيرة وكتب كثيرة كان على الطلاب أن يحذقوها ويبرعوا فيها.

وقد حذقها وبرع فيها عدد من شباب الجزائر عندئذ، ولكن لسوء حظهم أن الأيام لم تواتهم في بلادهم فغادرها بعضهم وبقي فيها آخرون ولكن على الهامش، فقد لازم عمر المانجلاتي درس الأنصاري أربع عشرة سنة ليلا ونهارا (١)، وممن درس على الأنصاري أيضا يحيى الشاوي الذي هاجر من الجزائر بعد ذلك، وكذلك القاضي والشاعر محمد بن القوجيلي الذي خص أستاذه الأنصاري بعدة قصائد مدحا ورثاء، كما درس عليه الشاعر محمد بن علي بن المهدي جد المفتي الشاعر المعروف ابن علي، ومدحه أيضا وأشاد بفضله (٢) وقد درس عليه أيضا الشاعر ابن رأس العين. وكان على رأس هؤلاء التلاميذ عيسى الثعالبي الذي صاهره أيضا كما عرفنا، وكان يتمتع لديه بمكانة خاصة. فقد لازمه، كما يقول العياشي، ملازمة الظل الشاخص وخدمه خدمة الراغب الناصح حتى حظى عنده وزوجه ابنته. ولكن الأمور لم تسر كما كان متوقعا، فطلق الثعالبي البت بأمر والدها، ومع ذلك لم ينقطع عن خدمة أستاذه، وقد ذكر الثعالبي جميع


(١) ابن زاكور (الرحلة)، ٩.
(٢) (ديوان ابن علي) مخطوط، وفيه قصائد القوجيلي وابن علي (الجد) وغيرهما في الأنصاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>