وتنشيطا لهممهم. ومن الذين برعوا في ذلك ابن باديس ومحمد العيد ومحمد بن العابد الجلالي.
وفي مواجهة القوانين الجائرة والاستبداد الاستعماري، كانت القضايا التي يطرقها الشعراء في الداخل أقل تسيسا من القضايا التي يتناولونها في الخارج. وكانوا أحيانا يعكسون وضع الجزائر بطريق غير مباشر عندما يتناولون قضية عربية أو دولية. فإذا مدح الشعراء أو وصفوا أو رثوا شخصا أو حادثا خارج البلاد فإنهم سرعان ما يمثلون لذلك بحالة بلادهم وأشخاصهم ومواطنيهم. من ذلك رثاء عمر المختار وغازي ملك العراق والشاعرين حافظ وشوقي والأمير خالد. ثم قيام الجامعة العربية ونفي السلطان محمد الخامس واستقلال ليبيا ثم السودان، وثورة مصر، وقنبلة هيروشيما، وتهنئة الحجاج بأداء الفريضة وسلامة العودة.
والقصيدة العمودية هي التي ظلت تميز الشعر خلال مراحله الثلاث، فالوزن والقافية، والمحافظة على مصراعي البيت وحتى البداية بالغزل أحيانا وتعدد الأفكار في القصيدة الواحدة، كل ذلك مما كان يميز شعر هذه المراحل. لقد كان التجديد في الأسلوب الشعري والأغراض غير وارد. ولكن هل يعني ذلك أن قصيدة الثلاثينات من هذا القرن هي نفسها قصيدة الأمير عبد القادر، مثلا؟ الجواب هو أن الروح ظلت واحدة والموسيقى الشعرية أيضا بقيت واحدة تقريبا. أما الذي تجدد فهو الأغراض واستعمال الرمز والإيحاء والمصطلحات والألفاظ. ولا شك أن محمد العيد يعتبر مجددا إلى حد كبير في خطابه الشعري: شاعر المجتمع والجمهور الحاضر، وشاعر القلب الدافق بالحب للدين والوطن والإنسان. وأن مفدي زكريا قد أدخل في الخطاب الشعري، سيما بعد ١٩٥٦، جلجلات الثورة وقعقعات السلاح والتمرد العاطفي لكي يعبر عن إيمان صادق بمستقبل الجزائر الحرة. ولقد عبرت أشعار رمضان حمود وجلواح والعقون عن رعشة القلب في صلواته أمام براءة الطبيعة وذنوب الحاضر الاستعماري.