الشعراء خلال القرن الماضي، وأنه بعد خدمة القضاء مال إلى الزهد والعبادة والتأليف. ولكن هذا لا يجعل منه شاعرا مجيدا إلا إذا اطلعنا على شعره وموضوعاته لنعرف مكانته وقيمته. وهذا غير ممكن في الوقت الحاضر. والأمثلة على ذلك عديدة. فعندما يقول لك أحد المؤلفين ان لفلان ديوانا، تميل إلى تصديقه، ولكنك تحتاج إلى دليل.
وإضافة إلى ذلك فإننا سنتحدث عن الشعر وليس عن الشعراء إلا قليلا. وللتوضيح نقول ان كثيرا من المتأدبين والمتعلمين لهم أشعار وقطع في موضوع أو أكثر، وليسوا بالضرورة شعراء بالمعنى الخاص للكلمة. ولو قصرنا حديثنا على الشعراء المحترفين لما وجدناهم بسهولة ولكان عددهم ربما على الأصابع فقط. بينما هناك شعر وفير أنتجه فقهاء وقضاة وأيمة وأبطال وزهاد ومربون وصحفيون. وهذا الشعر هو موضوعنا هنا. وإذا وجدنا الدواوين والمجموعات فسنتناولها بالطبع ولكننا لن نتوقف عندها. وإذا وجدنا شعراء محترفين، فسنترجم لهم أو لبعضهم مبتهجين.
ولقد هاجر الشعر مع المهاجرين أيضا. ففي المغرب والمشرق حط الشعر رحاله مع قوافل العلماء والزهاد الذين فضلوا العيش بعيدا عن الاحتلال الأجنبي لبلادهم، أو نفاهم هذا الاحتلال نفسه من بلادهم. فقد انتقل شعر الأمير عبد القادر معه إلى سجون فرنسا ثم إلى قصور بروسة ودمشق، ولولا ما جمعه له ابنه محمد، وما ترجمه له الضابط دوماس، لضاع شعره كما ضاع شعر غيره. وأنتج أبناء الأمير وإخوته وأبناء عمومته أشعارا لم نسمع إلا ببعضها. ولأبي حامد المشرفي ديوان مخطوط في المغرب يضم أمداحه ومشاعره، ولمحفوظ الدلسي (تونس) وصالح السمعوني (سورية) والكبابطي (مصر)، أشعار تختلف في الجودة ولكنها غائبة في الهجرة. ولأبناء وأحفاد وإخوان هؤلاء دواوينهم وقصائدهم. فهذا سليم الجزائري له شعر وقد نظم النشيد القومي العربي ضد الأتراك. وكان من فتيان العرب الذين قتلهم جمال باشا سنة ١٩١٦ بدعوى التآمر ضد تركيا.