أنه كان أيضا شاعر الطبيعة والوصف. فقد ارتحل للحج وشاهد آثار الشرق والإسلام، فهل سجل ذلك في ديوانه؟ ثم إنه كان يمارس رياضة الصيد والفروسية قبل الاحتلال. ونظن أنه نظم حول ذلك أيضا. ورغم أنه تزوج مبكرا، فإن حياة الشباب والغزل ربما لم تمر بدون نفحات خيالية وأشواق ملتهبة. إن ما في الديوان لا يجيب على هذه الأسئلة ولا يسجل هذه المرحلة، وربما تصرف ابنه بما ظن أنه يناسب مقام أبيه وشهرته كرجل دين ودولة وموضع احترام العالم. ولكنه قد حرم بذلك الشعر والباحثين من جانب هام في حياته، إذا صح أنه تصرف كما قلا.
وثقافة الأمير تقليدية، فهي ثقافة الزاوية والمسجد، والدراسة والمشاهدات. درس في القيطنة ووهران، وتتلمذ على شيوخ الوقت ومنهم والده شيخ الطريقة القادرية. ولكن الأمير عاش تجربتين الأولى رحلته إلى المشرق التي أضافت إلى رصيده العلمي أشياء كثيرة، مثل معرفة المذاهب في الحجاز والإصلاح في مصر. والتجربة الثانية هي الاحتلال الفرنسي ومقاومته مع ما يلزم ذلك من معرفة ما عند العدو من وسائل التقدم والتفوق، كالأسلحة والألبسة والتدريب العسكري والانضباط، ثم الصحف والمطابع والمعاهدات والمعاملات. فهل دخل ذلك في شعر الأمير أو تأثر به؟ إن الجواب على ذلك صعب، لأننا لا نملك كل شعره من جهة ولأننا لا نعرف تواريخ هذا الشعر. فإذا استطعنا ذات يوم أن نعرف ما نظمه قبل التجارب التي ذكرنا وما نظمه بعدها استطعنا أن نميز الفرق، إن كان.
أما الأغراض فمعظمها تقليدية، فالفخر والحنين والغزل والوصف والفروسية والمدح، كلها أغراض معروفة في الشعر العربي. ولكن هناك مسحة جديدة في هذا الشعر وهي ارتباطه بوقائع معلومة مع حرارة العاطفة عند صاحبه وصدقه. فهو صادق الفخر إذا افتخر، وهو صادق الفروسية إذا تباهى بها. والجديد أيضا هو أن هذا النوع من الشعر كان غائبا قبل ١٨٣٠ منذ مدة طويلة. فالشعراء قد يتحدثون عن معارك الجهاد ضد الأجانب، ولكنهم لم يكونا هم الفرسان. فالأمير كان هو الشاعر والفارس والمجاهد