للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨٧١ عام (الثورة المقرانية على الدولة الفرنساوية). وأخبر عاشور أن له جلسات ومحاضرات، مع الشيخ الحداد وأنه ذاكره عدة مرات، وذهب إلى أن الشيخ الحداد كان يوصي أتباعه باغتنام فرصة الطريقة الرحمانية لأنها منتقلة إلى أشراف الهامل. وكان الحداد، كما قال عاشور، ينوه بالشيخ محمد بن بلقاسم. غير أننا نعرف من المصادر الفرنسية (لويس رين) أن وصية الحداد بالخلافة كانت لابن الحملاوي وليس للشيخ الهاملي ولا الشيخ البوجليلي (١).

وهناك ناحية أخرى كانت تغضب الفرنسيين على الشيخ عاشور، وهي أنه درس في نفطة عدة سنوات. وكانت الزاوية العزوزية بنفطة عدوة لفرنسا، وهي أيضا رحمانية. وكانت خلال دراسته، تأوي ثوار الجنوب من محمد بن عبد الله إلى ناصر بن شهرة، إلى المقرانيين في أول السبعينات. ولعل للإدارة الفرنسية شبهات أخرى ضد عاشور لا نعلمها الآن. وقد اغتنمت الإدارة فرصة المهاترات التي وقعت بينه وبين بعض المعاصرين، وسجنته وغربته مدة طويلة. ونحن نفهم أن يكون السجن لمدة قصيرة (تأديبا) له وإرضاء للشاكين معه، ولكن كيف يظل سجينا أو تحت الإقامة الجبرية في إحدى القرى طيلة سبعة عشر عاما وشهورا! من أجل ماذا؟ هل يصدق عاقل أن فرنسا تفعل ذلك به غيرة على الأشراف؟ وماذا عساها تستفيد هي من ذلك؟ ان ذلك هو ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن وراء سجنه أو بالأحرى قطع لسانه تهمة سياسية، ولكننا لا نعلم الآن حيثياتها بالضبط، وهو نفسه لم يكن ربما يعلمها لأنه لم يتهم بها بصراحة. وها هو يصف السجن: (وبينما أنا على تلك الشجون (التنقل بين القرى والبادية لتغيير المنكر والتدريس - كما قال)، إذ حملت إلى مختلف السجون ... بعضها ظلمات فوق بعض، مع أجلاف، أو منفردا مع الفئران) (٢). ولم يسلم ابن مهنة أيضا من (التأديب) الرسمي إظهارا (العظمة الدولة الفرنسية)، كما قالت جريدة (الأخبار) شبه الرسمية. فقد أوقفوه أيضا عن الإقامة، واحتجزوا كتبه وأوراقه لانتقاده


(١) انظر فصل التصوف - الرحمانية.
(٢) المنار، ص ٢٥ - ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>