للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في القرن الماضي، وأين كانوا في العشرية الأولى من هذا القرن؟ كيف وأين تعلموا حتى يظهروا بهذه القوة وهذه الروح في وقت واحد؟ تلك هي أهمية هذا الكتاب. إن أول ما يفاجئك فيه قول محمد اللقاني بن السائح (١):

بني الجزائر هذا الموت يكفينا ... لقد أغلت بحبل الجهل أيدينا

ومن مزايا هذا الكتاب أنه جمع بين شعر الشيوخ أمثال ابن الموهوب وأحمد الغزالي، وشعر الشباب أمثال محمد العيد ومفدي زكريا. وكان فيهم الموظفون الرسميون وفيهم المدرسون الأحرار، وفيهم الباحثون عن العيش في غير هذا أو ذاك. وقد كان فيهم أيضا خريجو مدارس الشرق مثل العقبي والمولود الزريبي، والزيتونة مثل محمد العيد ومفدي زكريا، ومدارس الحكومة الفرنسية مثل الجنيد أحمد مكي والأمين العمودي. ولكن جمعهم كلهم حب الشعر وحب الوطن وحرف الضاد في وقت ظن المستعمرون فيه أن الأدب العربي، فما بالك بالشعر الجيد، قد اختفى من الجزائر.

فلا غرابة إذن أن يستقبل المتفائلون بمستقبل الجزائر هذا (الديوان) الجماعي بالفرح والسرور، وأن يحتلفوا بصاحبه أيما احتفال، وأن ينظروا من خلال الإنتاج إلى أفق جديد للوطن. وقد قال محمد العابد الجلالي ان العمل كان منتظرا من غير محمد الهادي السنوسي، من أولئك الذين تقدمت بهم السن وأدركوا الحاجة إلى مثل هذا العمل، ولكن الشاب السنوسي أبى إلا أن يأخذ على عاتقه هذا المشروع الطموح. إنه مشروع جاء في وقته، وكانت الحاجة ماسة إلى إحياء الأدب العربي. وبعد أن نوه بالجزء الأول تمنى ظهور بقية الأجزاء (٢). ونوه بالكتاب أيضا أحمد توفيق المدني قائلا إن السنوسي قد


(١) أصل اللقاني من أولاد السائح قرب تقرت. ولد بنفطة سنة ١٣١٣ وتعلم في الطيبات ونفطة، ثم جلس للتدريس في قمار وتماسين عند الزاوية التجانية. وقد نشر شعره السياسي والإصلاحي في صدى الصحراء والشهاب. وتوجد ترجمته في (شعراء الجزائر)، ١/ ٣٠ - ٦١. وقد أدركناه في جامع الزيتونة وحضرنا عليه بعض الدروس.
(٢) محمد العابد الجلالي (تقويم الأخلاق)، ص ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>