في القرن العاشر والحادي عشر سيجد كثيرا من أخبار العلماء الذين جمعوا بين ظاهرتي العلم (الإقراء) والتصوف (الكرامات).
ومما يلفت النظر في حياة الوزان أنه أضاف أيضا الثروة المادية إلى العلم والتصوف. فقد صاهر عائلة غنية بقسنطينة وهي عائلة ابن آفوناس، وكان ابن آفوناس، على ما يذكر الفكون، شيخا صالحا عرفت عنه الولاية والعلم واشتهر بين الناس بذلك كما اشتهر بينهم بالمال والرباع، حتى أصبحت له وجاهة عند أمراء قسنطينة. وكانت له مدرسة خاصة شأن معظم العائلات الكبيرة الموسرة في هذه البلاد. وهو الذي تزوج الوزان ابنته. وقد توفي ابن آفوناس في حياة الوزان ودفن في مدرسته، كما دفنت فيها ابنته أيضا.
وكان الوزان متمسكا بمهنة التدريس متباعدا عن الأمراء والوظيفة السلطانية حتى أنه اعتذر عن قبول وظيفة القضاء حين عرضت عليه. فقد عثر بعض الباحثين على وثيقة اعتذاره لحسن آغا، باشا الجزائر بتاريخ ٩٤٨ هـ. وبعد أن عرض الوزان في رسالته إلى الباشا واجبات القاضي الذي يستحق هذا الاسم، مطيلا في ذلك، لخص اعتذاره فيما يلي: يقينه أنه غير أهل للوظيفة المعروضة عليه، وكون الفترة حرجة في قسنطينة حيث كانت البلاد تمر بأزمة داخلية تتصارع فيها الأسر والمصالح (١). والظاهر أن السلطة العثمانية قبلت اعتذاره لأننا لا نعرف أنه قد تولى وظيفة غير التدريس والاشتغال بالعلم والتأليف فيه. ومن كتابه (الرد على الشابية) الذي رد به على المرابط عرفة القيرواني الذي ثار على السلطان الحفصي الحسن (تولى سنة ٨٣٢) نفهم أن الوزان قد انتصر للسلطة القائمة عندئذ، أي قبل العثمانيين. فهل كان رفضه القضاء من يد العثمانيين تعبيرا عن موقف سياسي
(١) لا شك أن في ذلك إشارة إلى ما حدث بين عائلة ابن عبد المؤمن وعائلة الفكون. وقد وجدت رسالة الوزان المذكورة في وثائق عائلة البوني العنابية، انظر فايسات (روكاي) ١٨٦, ٢٩٧.