عبرات في النفس والعقل والعلم والجهل). وقد نشرها في كوكب أفريقية أيضا. وهو فيها يخاطب قومه النائمين ولا يهاجم الغرب ويتداخل في السياسة، كما فعل ابن قدور. ونحن نعلم أن جريدة كوكب افريقية كانت حكومية وكان محررها هو محمود كحول. ولو هاجم الزريبي الغرب وتداخل في السياسة لما نشرت له الجريدة شعره ولاضطر إما إلى نشره خارج الجزائر وإما إلى السكوت. ولكن الزريبي قد لف شعره الثائر بالدعوة إلى العلم (كما فعل ابن الموهوب أيضا)، وهي دعوة أصبحت مقبولة عندئذ من الفرنسيين، لأنها تبدو دعوة محايدة سياسيا. وفي مطلع هذه القصيدة نزعة رومانتيكية مجنحة وبداية جميلة:
يا بدر مالك بالأنحاء تفتخر ... ألم تكن بطلوع الشمس تستتر
والقمر (البدر) والشعر رفيقان منذ القديم، والشاعر المتأمل يستهويه الليل السادر والقمر الساهر. ولكن الزريبي انتقل بسرعة إلى موضوعه الرئيسي - العلم والجهل -، وها نحن نرى تغييرا كبيرا حدث في مطلع القصائد من عهد الأمير وعهد أحمد بوطالب الذي بدأ سنة ١٨٤٩ قصيدته بقوله (جاءت توفي لنا سعدى بميعاد) ثم أضاف الزريبي قوله:
والعقل تصلحه العلوم والحكم ... وليس تصلحه الآصال والبكر
يا قوم ما لي أراكم في جهالتكم ... كقوم موسى طغوا فهالهم صغر
هذا الذي ترك العلوم خامدة ... وأفسد القطر حتى عمه الضجر
وهذه عبرات كنت أسكبها ... أذاعها قالب الأنظار والخبر
لا زلت أنشدكم في خدمة الوطن ... كفى شهيدا علي الصحف والطرر
إن عشت يشهد لي القرطاس والقلم ... وإن أنا مت فالتاريخ والعبر (١)
ولعل الفرق بين ابن قدور والزريبي أن هذا ثائر اجتماعي وابن قدور ثائر سياسي. ولكن شعرهما معا يمثل مرحلة جديدة في تطور الحركة الشعرية من التقليد إلى التجديد، في الموضوعات والقوالب والروح والصور.