إن الشعر الذاتي قد مارسه شعراء معروفون مثل الأمير ومحمد العيد، ولكن تخصص فيه شعراء أهملهم الدارسون أثناء حياتهم ربما لكونهم قد تمردوا على القيم الاجتماعية، فلم يقبلهم المجتمع الفرنسي لأنهم ليسوا منه ولم يرحب بهم المجتمع الجزائري لأنهم متمردون عنه. وهم فئة من الشعراء ظهرت آثارهم في تونس والجزائر وفرنسا. ومنهم: رمضان حمود ومبارك جلواح والطاهر البوشوشي. وكنا قد اهتممنا بشعر محمد العيد واهتم غيرنا بشعر مفدي زكريا، ثم ظهر من اهتم برمضان حمود مثل محمد ناصر وصالح خرفي. ومن اهتم بمبارك جلواح مثل عبد الله ركيبي، ولا نعرف أن هناك من اهتم بشعر البوشوشي حتى الآن.
وقد لفتت حياة رمضان حمود أنظار المعاصرين أيضا، لأسباب، منها موهبته العجيبة وموته المبكر. ذلك أن هذا الشاعر الناثر الموهوب لم يعش سوى حوالي عشرين سنة. فقد ولد سنة ١٩٠٦ في غرداية أثناء مرحلة الشدة في تعسف الاستعمار سيما في الجنوب حيث درس حمود دراسته الأولى. ثم توجه بعد ذلك إلى تونس والتحق بالزيتونة، وربما كان ذلك في نطاق البعثات التعليمية التي كان أهل ميزاب ينظمونها ويوجهونها إلى تونس. ورغم شبابه فقد أصدر بتونس عملين هما (الفتى) و (بذور الحياة). وقد دل كتابه الثاني عن تعلقه بالحركة الرومانتيكية. ويغلب على الظن أنه عرف أبا القاسم الشابي وقرأ من إنتاج المشرق العربي وإنتاج المهاجر العربية، مثل أدب جبران ونعيمة. وكانت تونس مفتوحة على هذا الأدب. وباعتبار انفتاح الإدارة الفرنسية عموما على أدب المهجر وأدب لبنان بالذات.
ومع ذلك كان شعر وأدب رمضان حمود متجددا في الشكل والروح، ولكنه تقليدي في الموضوعات، فهو، رغم شبابه، من دعاة العروبة والإسلام. وكان ناقدا للاستعمار والتسلط الغربي. وكانت روحه أعظم من بدنه، فأصيب بالسل القاتل ومات دون أن يتمتع بشبابه ولا أن يتمتع الناس بموهبته الشعرية،