للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا فتاة أحبها ثم صدت عنه أو صارت لغيره. إنه يصف لوعته لزوجته (أم البنين) كما سماها في بعض الأحيان، وهي خيرة ابنة عمه علي أبي طالب: أقول لمحبوب تخلف من بعدي ... عليلا بأوجاع الفراق وبالبعد

أما أنت حقا لو رأيت صبابتي ... لهان عليك الأمر من شدة الوجد

وللأمير أكثر من قصيدة في هذا المعنى. وقد نظم القصيدة التي ذكرناها وهو في اسطانبول وترك زوجته في بروسة. فهي ليست من الغزل الذي قاله أثناء غزواته على كل حال. وهي من قصائده الطوال (١).

وقد عالج الشعراء المحدثون الغزل من طرف خفي إذا صح ذلك. فناجوا الحرية والظباء واتخذوا الأسماء الرمزية مثل ليلى وسعاد. وقد درسنا الظروف التي جعلتهم يفعلون ذلك ولا يصرحون بمحبوباتهم (٢). وأغلب الظن أن ذلك راجع إلى سيطرة البيئة الاجتماعية ومقاييسها الصارمة في المعلم ورجل الدين والشاعر العربي. وكان أغلب الشعراء قد ارتبطوا بالحركة الإصلاحية. كما أن التعسف السياسي وجور القوانين لم يسمحا للشعراء السياسيين أن يتغزلوا، والغزل عند أغلب الناس نوع من المجون والعبث. ولا شك أن ذلك راجع إلى الانغلاق الاجتماعي، نتيجة الاحتلال. وقد رأينا أن ذلك كان ظاهرة جديدة، لأن ابن الشاهد والأمير، مثلا، لم يكونا على ذلك النمط، فكان المجتمع في وقتهما أكثر انفتاحا وتقبلا لهذا النوع من الشعر، ولا يرى فيه غضاضة لصاحبه.

وفي قصيدتي: أين ليلاي؟ وتعذيبي، لمحمد العيد غزل واضح، رغم التفسيرات الاجتماعية والدينية والصوفية التي أعطيت له عند ظهور القصيدتين. وقد تناولنا ذلك في دراستنا عن هذا الشاعر.

...


(١) تحفة الزائر ٢/ ٦٥.
(٢) انظر فصل الغزل في الشعر الجزائري من كتابنا (دراسات في الأدب الجزائري الحديث)، ط. ٣ تونس، ١٩٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>