للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمين علي لا أزال بحب ... دنيف ولو جاد الحكيم بطبه (١)

وكان الكبابطي قد نظم هذا الشعر ليتغنى به المغنون، فهو شعر إلى الأندلسيات أقرب، وإلى شعر الغناء والصنعة أليق.

وأما ابن الشاهد الذي كان شاعرا بالطبيعة، وكانت أيدي الناس مملوءة بأشعاره، وعاش حتى كف بصره وعانى الفقر والحرمان، ورأى، كما سلف، بلاده وقد احتلها الأعداء وعاثوا فيها فسادا، فقد كان شعره الغزلي قويا، وأكثر صدقا في وصف حالته النفسية، رغم ما يلوح عليه من التقليد اللفظي وحتى في الصور الشعرية، فاستمع إليه:

ظبي، ولكن تخاف الأسد سطوته ... لحظ، ولكن شيوخ السحر تخشاه

رشيق قد تزين الغصن قامته ... بديع حسن تساقى الراح عيناه

تبدي شموس الضحى في الليل طلعته ... والبدر إن أفل يغنيك مرآه

تغنى برأفته الأرواح يا عجبا! ... الروح تسبى به والقلب يهواه

يعطف القلب في التسليم مبسمه ... ويترك العقل مفتونا محياه

تراكمت في الحشا أشجان صبوته ... القلب في حرق والصبر عاداه

يا ون قلبي لظى الأشواق تتلفه ... والحين يهوى ومبدا الهم رؤياه

سلوا منامي عن الأجفان كم أرقت ... وعن سلو مضى، هل زار مضناه

هاتوا حكيما يعاين ما أكابده ... أو اتركوا لومكم فالسمع يأباه (٢)

ولكن غزل الأمير يختلف عن هذا. فهو يتشوق إلى زوجته أثناء غزواته إذ يتركها بعيدة عنه فتعاني هي وهو من هذا البعد الذي كان يدوم أياما أو شهورا. ويبدو لنا أن عاطفة الأمير صادقة في هذا الشوق. ومن ثمة اختلف غزله عن الغزل التقليدي. فهو لا يصف محبوبا مجهولا ولا خياليا أو طيفا،


(١) مخطوط تونس، كناش رقم ١٦٥١١، ص ٣٤. وانظر أيضا دراستنا عن الكبابطي في (أبحاث وآراء) وملحقات الشعر هناك.
(٢) مخطوط تونس، كناش رقم ١٦٥١١، ورقة ٤٦. في الأبيات ألفاظ أمليت خطأ مثل ظبي ولظى فقد كانت (ضبي) و (لضى). ومثل كلمة (يعاين) في البيت الأخير فقد وجدناها يعانى.

<<  <  ج: ص:  >  >>