للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخصوصا في المدن، قد ابتعدوا عن الشعب وأصبحوا ينظرون إليه نظرة فوقانية (١)، وكادوا لا يفترقون في تصورهم للمجتمع الجزائري عن العثمانيين أنفسهم الذين كانوا غرباء عن الشعب، كما سبق القول. فمصالح العلماء كانت إذن في إرضاء الباشوات وكسب ودهم وليس في خدمة الشعب والتقرب منه ورفع مستواه. ومن ثمة أصبحت فئة العلماء طبقة متميزة بالمعنى الحديث للكلمة، لها خصائصها ومصالحها ونمط عيشها، وحتى مؤامراتها ومناوراتها.

وكانت بعض الأسر العلمية تتميز بالثراء الغزير. فقد لاحظ التمغروطي في أواخر القرن العاشر أن علماء الجزائر تغلب عليهم المادية، فقال (إن حب الدنيا وإيثار العاجلة والافتتان بها غلب عليهم) (٢)، وقد لاحظنا أن المفتي سعيد قدورة كان ذا مال يشارك به بعض التجار، وجاء في كتاب ابن المفتي أن عمار بن عبد الرحمن المستغانمي كان ينفق على ضيوفه بين ثلاثين وأربعين ريالا في الليلة الواحدة (٣) وقيل عن المفتي أحمد الزروق بن داود أنه كان صاحب ثروة، وكذلك كان العالمان سعيد المقري في تلمسان وعمر الوزان في قسنطينة. ومن المعروف أن عائلة الفكون وابن باديس وابن آفوناس في قسنطينة كانت من العائلات الغنية. والمحافظة على الثروة ومحاولة الاستزادة منها كانت السبب في التنافس الشديد الذي سنذكر نماذج منه بين هؤلاء العلماء. ولكن العلماء لم يكونوا جميعا أغنياء. فقد كان فيهم الفقراء بكثرة، وخصوصا أولئك الذين كانوا خارج الوظيف أو الذين كانوا يمتهنون التعليم.

ومصادر تكوين أو تخريج العلماء ثلاثة: الأول المدرسة الجزائرية (بما في ذلك المساجد والزوايا) التي كانت تصل بالمتعلم إلى نهاية المرحلة


(١) جاء في رسالة لأحمد بن عمار أن العوام كالهوام. انظر ذلك في فصل الأدب (النثر) من الجزء الثاني.
(٢) التمغروطي (النفحة المسكية) مخطوط رقم ٢٨٢٩.
(٣) نور الدين عبد القادر (صفحات)، ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>