للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانوية وبداية العالية، والثانية المدرسة المزدوجة، ونعني بها المؤسسة التي يجمع فيها الجزائريون بين دراستهم في الجزائر ودراستهم في الأقطار الإسلامية ثم يعودون لتولي الوظائف. أما المصدر الثالث فهو المدرسة الإسلامية عموما، ونعني بها المؤسسة التي جاءت منها طائفة من علماء المسلمين الذين لم يكونوا جزائريين في الأصل، ولكنهم استوطنوا الجزائر وتولوا فيها وظائف مختلفة من الإفتاء إلى الإمامة وغيرهما.

وكان العثمانيون في أول الأمر يجلبون معهم علماءهم، إما لعدم ثقتهم في علماء الجزائر وإما للقيام بشؤون المذهب الحنفي الذي كانوا يتبعونه. كما أنهم ولوا الوظائف الدينية وكلفوا بالمهمات الدبلوماسية علماء من مختلف الأقطار الإسلامية. ولم يعتمدوا في ذلك على علماء الجزائر، على الأقل في بداية عهدهم. ومهما كان الأمر فإن المدرسة الجزائرية كانت غير كافية لسد جميع الفراغات في الوظائف المفتوحة أمام العلماء. ولعل عدم توحد المدرسة في الجزائر قد أضعف أيضا من فعالية فئة العلماء، ذلك أن أصول تعليمهم وطموحاتهم كانت مختلفة في النهاية.

ولا شك أن أعلى وظيفة كان يتولاها العالم هي الفتوى، ذلك أن الفتوى تحتاج إلى درجة عالية من العلم والتعمق في مسائل الفقه ومعرفة قوية للقرآن وعلومه وعلوم الحديث والقياس ونحو ذلك. كما تتطلب قوة الشخصية والنزاهة والعلاج والشجاعة في الرأي والثبات على قول الحق. وكانت شهرة العالم بين الناس في هذه الأمور من بين عوامل ترشيحه لهذه الوظيفة. ونحن نعرف من تاريخ القضاء في الإسلام أن كثيرا من العلماء كانوا يرفضون وظيفة القضاء (ومنها في العهد العثماني وظيفة الفتوى) ويفرون منها ويتحايلون بشتى الحيل حتى لا يغضبوا الحكام برفضهم لها. أما في العهد الذي ندرسه فلا نكاد نسمع أن أحدا من العلماء قد رفض أو اعتذر عن قبول وظيفة المفتي أو القاضي (١). بل إننا سنرى أن التنافس عليها كان على أشده،


(١) ذكرنا في ترجمة عمر الوزان أنه اعتذر عن وظيفة القضاء. وذكر محمد بن ميمون في =

<<  <  ج: ص:  >  >>