الفرنسيين سنة ١٨٤٨. وشارك بنفسه في قمع ثورة أولاد سيدي الشيخ سنة ١٨٦٤. وفي أثناء قيادته لجأ إلى المغرب، لسبب غير واضح، قد يكون سياسيا أو ماليا أو غراميا. وكانت قبيلته نفسها قد لجأت إلى المغرب في آخر عهد الأمير. وما يزال الكتاب يبحثون في الموقف السياسي لمصطفى بن إبراهيم بين الوطنية والخيانة. والواقع أن كان مثل العشرات من الأعيان الجزائريين الذين لم يدركوا الفرق بين القبيلة والوطنية، وبين مصلحة البلاد العامة ونوايا الفرنسيين الاستعمارية، وكانوا يعتقدون أن مصلحة الفرد قبل الجماعة ومصلحة القبيلة قبل الوطن، والدنيا قبل الدين.
هذا من الناحية السياسية، أما من الناحية الأخلاقية فقد قيل عن مصطفى بن إبراهيم إنه كان منحرفا أشد الانحراف، ولعل هذا الانحراف الخلقي هو الذي أدى به إلى الانحراف السياسي أيضا. فكان على ما قيل، مدمنا على الخمر، وزيرا للنساء وخارجا عن الأعراف الاجتماعية. ولو عاش لشعره وفساده الأخلاقي لما استحق ربما ذلك الاهتمام السياسي ولعومل معاملة الشعراء الذين يهيمون في كل واحد ويلبسون مختلف الثياب. ولكنه ارتبط أيضا بالمقاومة وبقبيلة عتيدة مثل بني عامر. وقد نسبوا إليه أيضا الكرامات والخرافات، وصورة الإنسان (الكامل) التي لا تكتمل إلا بإضافة التصوف إلى إطارها. وكان فصيح القول واللسان، جوادا، معتزا بقبيله. وقد بقي يمثل الشاعر الفارس في صورته التي كانت للشعراء الفرسان في النصف الأول من القرن الماضي.
أما شعره فقد بقي منقولا شفويا بين قومه وقبائل الجنوب الغربي، يتغنى به المغنون في الأسمار والحفلات. ثم قام عبد القادر عزة بجمع ديوانه. وكان نصف الديوان تقريبا قد سجله المنشدون من أهل الحضر وغنوه بالآلات الموسيقية، أو من أهل البادية الذين تغنوا به على آلة القصبة (١). ولا
(١) جغلول (عناصر ثقافية) مرجع سابق، ص ١٥٣ - ١٥٦. بناء على هذا المرجع فإن عبد القادر عزة قد جمع ديوان الشاعر حوالي سنة ١٩٨٠ (؟). وقد أورد جغلول نماذج من شعر مصطفى بن إبراهيم مترجمة إلى الفرنسية، ص ١٥٧ - ١٦٠.