من القصة، وهو صلتها بالجزائريين. فقد تمكن الشيخ محمد الطيب بن إبراهيم من القبض على قاتل دي موريس، ويدعى الخير عبد القادر، وحين وصل الخير إلى نواحي تماسين أمرت السلطات الفرنسية قايد تقرت بالقبض عليه، ولكن الخير علم بذلك، بالتواطئ أو بالحدس، فهرب. وبدل أن يطارده القايد، فضل أخذ أفراد عائلته رهائن (زوجته وأولاده وأمه، وحتى مهاريه ونياقه)، وأخذ كل ذلك إلى ورقلة. وكان الحاكم العام نفسه، ليبين، هو الذي أمر قايد تقرت بالقبض على الخير (١). إن الحادثة قد تكون من نوع الأساطير المعروفة في الصحراء بين القبائل، ولكنها مع ذلك، كانت مصدرا للأدب الشعبي. وكم من شاعر تغنى بالفارس الذي قتل دي موريس والصعلوك الذي أخذ بالثأ، ولم يتمكن العدو منه. وكما استولى الفرنسيون، عن طريق قيادهم، على زوجة بوشوشة سنة ١٨٧٤ (وهي من أولاد سيدي الشيخ) وقادوها هي ووصيفتها إلى قسنطينة، ثم إلى ورقلة، ثم إلى أهلها في البيض، كذلك استولوا على زوجة وأولاد الخير عبد القادر، وقادوهم إلى ورقلة. وكم في الصحراء من أسرار، وفي الشعر من ألغاز!.
ومن هؤلاء الصعاليك الذين يأخذون بالثأر ويوحون بالشعر، مسعود بن أحمد بن زلماط. فقد ولد بدوار زلاطو بالأوراس، حوالي ١٨٩٤، وتوفي عنه أبوه فتربى عصاميا. وعندما شب في حضن والدته، حدثت فاجعة غيرت مجرى حياته، وهي مقتل أخيه. وكان الأخذ بالثأر من عادة العرب القديمة، وهي أيضا عادة شائعة لدى شعوب أخرى. ويبدو أن مسعود لم يقتنع بالعدالة القائمة عندئذ، فعزم على الثأر لأخيه بنفسه، فقتل أحدهم، وهدد آخر، ثم اختفى وكون جماعة أصبح هو على رأسهم. وأخذوا يرهبون السلطات الفرنسية وممثليها في الناحية. ولم يكتفوا بما فعلوا بل أخذوا يثأرون من كل ظالم في نظرهم. فكانوا يهاجمون القيادة والوشاة والعملاء، أولئك الذين كانت السلطات الفرنسية
(١) افريقية الفرنسية، يناير، ١٩٨٨، ص - ٣٣. عن تفاصيل القصة انظر فصل التصوف (القادرية)، وفصل مذاهب وتيارات.