لأن ما وقع في العاصمة في أول الأمر وقع مثله في غيرها بعد ذلك. ويغلب على الظن أن القصيدة قيلت بعد الاحتلال بقليل، أي بعد استيلاء الفرنسيين على المدينة وجلاء معظم أهلها عنها وتعطيل المدارس والمساجد وهجرة العلماء والطلبة، والاستحواذ على الخزينة، كما تروى القصيدة.
لم يورد دي شانصيل في مجلة الشرق النص العربي مع النص الفرنسي، وإنما المجلة الإفريقية هي التي نشرت النص العربي بمناسبة الذكرى المائوية للاحتلال (١٩٣٠). وبالرجوع إلى النصين الفرنسي الذي نشر سنة ١٨٤٣ والعربي الذي نشر سنة ١٩٣٠ ندرك أنهما من أصل واحد. فالنص الفرنسي للقصيدة يبدأ بالحمدلة والتصلية، ويذكر أيام الخميس والجمعة والإثنين، والجهاد والحور العين، وطلب الغفران من الله، ثم مخاطبة الشاعر إخوانه المسلمين معزيا ومسليا قائلا إن الأيام دواليك، والدهر متقلب، ثم تأسف على ضياع الجزائر وخراب قصورها وقلاعها وصوامعها، وعلى انقطاع القرآن والعلم في المدارس والمساجد، وعلى هجرة العلماء. وتأسف كذلك على المعابد التي داسها الكافر بقدميه وأضرحة الأولياء، ومصائر رجال الدين والقضاة والإسلام (١).
أما النص العربي الذي نشرته المجلة الإفريقية، ثم أخذته عنها مجلات وكتاب آخرون، فيبدأ هكذا:
بالحمد نبتدا ذا القصة ونعيدها ... استغفروا وتوبوا يا مسلمين
صلوا عليه قد الدنيا وامحانها ... ما دمنا نشوفوا واحنا حيين
توبوا واستغفروا للمولا ... هذا آخر الزمان ادركنا
وقد استمر الشاعر في ذكر (زمن الفتنة) الذي أصاب كل قبيلة، واعتبر من مات قد استراح، وأما الحي فهو الذي بقي يواجه المحن. وتساءل: أين هي جزائر مزغنة، سلطانة كل المدن، ها هي أصبحت في قبضة الأعداء،
(١) أوسون دي شانصيل (قصيدة الشيخ عبد القادر المازوني في رثاء الجزائر) في مجلة الشرق R. Le L'orient، ١٨٤٣، ص ٢٨٤ - ٢٨٦.