للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم النصارى الفرنسيون. وبعدما كانت الأجناس والشعوب والدول تخاف الجزائر، فها قد تبدل حالها وانخفضت أعلامها (سناجقها) ودالت أوجاقها، لأن أهل الله الصالحين قد تخلوا عنها فاستولى عليها الأجانب، لقد أعطاها الصالحون إلى الأعداء وتخلوا عنها لفساد حكامها وانحراف أهلها. فأخذها الفرنسيون عنوة بالسفن الحربية العديدة، والجنود الذين كانوا كالجراد، والعتاد الكبير. إن العقل قد أصبح في ذهول مما حدث. وكانت اللازمة التي يكررها الشاعر هي حزنه الدائم على ضياع وطنه: (راني على الجزائر يا ناس حزين!).

ثم وصف الشاعر كيف حدثت عملية الاستيلاء على المدينة، فذكر المراسي وما كان فيها من مدافع وسفن والاستعداد لمواجهة العدو. ولكن هذا العدو لم يأت من الشرق كما كان متوقعا بل فاجأ وسائل الدفاع وهاجم من الغرب، من مرسي سيدي فرج. وكان ذلك يوم السبت - حسب الشاعر - وقد مات من المسلمين عدد كبير، وتكاثر عدد المجاهدين ودوت زغاريد النساء، ودامت الحرب يومي الأحد والإثنين. وبعد ذلك انعكست الآية، وتحول السرور حزنا لدى المسلمين، وفرح اليهود بهزية المسلمين وزغردت نساؤهم. واستولى الفرنسيون على الخزينة ذات الجواهر والمثمنات. وجرت معركة اسطاويلي، وتقدم العدو عن طريق الأبيار وبوزريعة ثم برج مولاي حسن (الثغريون). وأبيحت المدينة يومين، وتفرق أهلها هائمين على وجوههم. لقد أصابتها العين الحاسدة! أين دار السلطان، وأين البايات؟ وأين القضاة والشواش والسراي؟ وأين المفتون والعلماء؟ وأين الجوامع وخطباؤها ومنابر الرخام والصوامع وآذانها؟ وأين حلقات الدروس ومجالس الحزابين؟ لقد غلقت الأبواب وبات كل ذلك في عالم النسيان. وهدم العدو حتى الجامع الكبير (نقمة في المسلمين)، ووضعوا ساعة في مكان سوق القيصارية حيث كانت سوق الكتب والسفارين.

ولم ينس الشاعر تاريخ الجهاد البحري وجحافل الأسرى، وأكوام الغنائم التي كانت ترد إلى الجزائر، وهذه الذكريات جعلته يلتفت إلى الله

<<  <  ج: ص:  >  >>