ويتوسل إليه بالرسول (صلى الله عليه وسلم) لكي يرزقها سلطانا رحيما وعادلا، فيحكم من قصورها وسراياها وتكون له الجيوش القوية، ويشيع الحق والعدل بين الناس. ثم كرر الشاعر لازمته:(راني على الجزائر يا ناس حزين!)(١).
إن قصيدة رثاء الجزائر للشيخ عبد القادر (المازوني) وثيقة تاريخية هامة، وهي ليست مجرد وصف وسرد للأحداث التي جرت نتيجة الاحتلال ولكنها مفعمة بالمشاعر الإنسانية العميقة، فالرجل لا ينطلق من دوافع شخصية ولكنه قد انطلق من غيرته على الوطن والدين والتراث والقيمة التاريخية لمدينته وآثارها. ولذلك يجب أن تدرس هذه الوثيقة مع قصيدة ابن الشاهد، في المدارس والجامعات في مواد التاريخ والأدب والآثار. وهي دليل على أن الأدب الشعبي الصادق يظل خالدا رغم مرور الزمان.
وإن الشكوى من الزمان ومن الظلم والانتقام كانت سمة هذه الفترة، ولا سيما بعد فشل الثورات التي كانت تعطي الأمل والبدائل للشعب. ومن الظلم شيوع الفقر وكثرة المراباة وفقدان الأرض ومصادر الحياة والرزق. وقد شاع بين الجزائريين أن اليهود بالغوا في أخذ الربا وجمع الأموال على حسابهم، لا سيما أيام المجاعات والنكبات، فهم يقرضون المحتاجين ثم يأخذون منهم أضعاف ما أقرضوهم، وقد يؤول إلى اليهود كل ما يملك المقترض إذا عجز عن الدفع. وقد شاع ذلك سنوات الستين من القرن الماضي أيام اغتصاب الأرض بقانون ١٨٦٣ ثم المجاعات التي حدثت سنوات ١٨٦٧ - ١٨٦٩. ولعل هذا هو ما يشير إليه الشاعر الشعبي المجهول الذي لعله من فترة ثورة ١٨٧١. والمعروف أن التعسف والجبروت قد كثرا على يد الكولون واليهود الذين منحهم الفرنسيون الجنسية الكاملة بعد حرب السبعين.
(١) المجلة الإفريقية ١٩٣٠، ص ٢٢٥ - ٢٥٦. وكذلك جمال قنان (نصوص سياسية) ص ٣٣ - ٣٥. انظر فصل المعالم الإسلامية، لترى ماذا فعل الفرنسيون بالآثار التي ذكرها الشاعر من مصادر أخرى.